كلمة حق .. في وداع الرئيس .. !!
د.طلال طلب الشرفات
06-06-2018 02:40 PM
عندما كانت الحكومة في ذروة نشوتها وعنفوانها قلنا كلاماً موجعاً في حقها لاننا كنا نرنوا الى الأصلاح واحترام سيادة القانون ومكافحة الفساد ، وعندما كان الرئيس بنشوة نشاطه اوسعناه نقداً واسمعناه وصفاً مؤلماً للحالة الوطنية وعلى الأخص في انفلات عقال المؤسسات الرقابية والتغول عليها دون الاّ ولا ذمة وجنوح الكثير من المؤسسات العامة الى مزالق الشك ومخالفة مبادئ النزاهة والشفافية وسيادة القانون ؛ لأن مصلحة الوطن العليا تفتضي ان نقول ما نؤمن به دون تزلف او تطرف وبلا تصوف او تكلف .
كنت اراهن وقتذاك على نقاء سريرة الرئيس ونظافة يده وعفته وتعففه عن المال العام ، ولكن الكثير ممن احاطوا به – كحال الكثير من موظفي الادارة العليا – زينوا له حقائق موحشة ارهقت سمو القانون وقداسة الحق حتى ظننت انه لا طائل من النقد ولا جدوى من الصد فقد كان دائماً يستمع للاقرب منه حظوة ومكانة وموقعاً حتى تاهت الكثير من الحقائق وتلاشت معاني الكثير من الوثائق .
كان لي رأياً واضحاً من مشروع قانون ضريبة الدخل قلته قبل ان يحدث ما لم نتمناه ، اما وقد حدث فقد تمنيت ان لا يرسل مشروع القانون قبل ان تعالج فيه الثغرات التي لا يمكن ان تنطبق على الحالة الوطنية ، وبعد ارساله تمنيت ان يتم سحبه رغم يفيني بأن الملقي لن يفعلها فهو رئيس صعب المراس يتكئ في قراراته على التمسك بقناعاته وسيرته النظيفة في عدم الاقتراب من المال العام ، وكنت ادرك بانه سيفضل الاستقالة عن التراجع عن قراره وهو امر لا اخفي اعجابي به على كل حال .
التقيت الرئيس لمرة واحدة في العقبة ادبان ان كنت عضواً في مجلس هيئة مكافحة الفساد ، واستقبلني في يوم عطلته بكل ودٍ وترحاب وكان صادقاً مخلصاً في ايمانه بضرورة تطوير العقبة ، وقاد جهداً عنيداً مخلصاً لمكافحة التهريب هناك اثبت انه محقاً فيه وبأسوب العمل الميداني المخلص الذي لا يرجو فيه حمداً ولا شكورا ، كان كريم النفس رفيع المقام في اداء الواجب سواء اختلفت معه او اتفقت .
في العقبة ورئاسة الحكومة كان بامكانه ان يضحي من اصحاب المال لولا عفته ونزاهة ضميره ، فقد نأى بنفسه عن كل ما يخدش كرامة المسؤول وعلو الشأن فكان ولا زال رقيق القلب نقي النفس عنيد القرار ، وحتى في قرارته الخاطئة لم يكن يقصد مخالفة القانون ولكنها فلسفة البيروقراطية الاردنية في ادارة المرافق العامة ، ودخل الوظيفة العامة وخرج منها رئيساً دون ان يسجل عليه استمراءاً لديناراً واحداً من المال العام .
يقال ان الرجل كان كريماً مع كل الذين زاروا ارض الكنانة ادبان كان سفيراً هناك ، ومخلصاً اكثر من غيره في خدمة الاردنيين ، وله سيرة ناصعة وسريرة راقية في بر والدته في حياتها ووجع مقيم في رحيلها ، سمة شاركته بها في وجع رحيل الام حتى غدوت اشفق على كل من يفجع بها ، لم تكن قراراته منصفة دائماً – وربما طال الكثير ضرراً منها وانا منهم – ولكنه لم يضمر الشر لشخص ولم يدبر وقيعة لأحد حتى اشد خصومه فتكاً .
في وداع الرئيس نستحضر كل مشاعر المروءة الصادقة في سمو ادبيات الاختلاف دون خلاف ، فمهما اختلفنا لا يجوز لنا ان نبخس الناس اشياءهم سيما وان الرجل لم يغادر مساحة الأجتهاد في كل قراراته حتى في تلك التي كنا فيها من اشد منتقديه ، فكل مظاهر الاختلاف تتلاشى امام كرم الطباع وسمو النفس ونزاهة اليد واللسان .
سيبقى الرئيس ابن الوطن واحدى رجالاته فالحضن الأردني الدافئ يتسع للجميع ، والأختلاف في الرأي لا يفسد في الود قضية .. وحمى الله الاردن من كل سوء ....!!!