يقترن الكُتّاب بالليل. أغلب المؤلفين يكتبون ليلاً، بينما تتم أجمل وأعمق قراءات الكتب في ساعات الليل. والمقصود الكتاب الورقي الذي يتخذ شكلاً مجسّماً وملمساً وله رائحة، ويرافق المرء في أي مكان وقد يضعه في جيبه.. خلافاً للكتاب الإلكتروني الذي ينهب أعصاب النظر والجسم.
ربما لهذا السبب احتفلت العاصمة الإسبانية الجمعة 23 نيسان/إبريل الجاري، بما سمي هناك: “ليل الكتب”. ففي احتفالات اليوم العالمي بالكتاب
لهذا العام، أقامت مدريد ليلة ليلاء لخير جليس: المكتبات فتحت أبوابها حتى ساعة متأخرة من الليل وقدمت حسوماً للمشترين، وجرى تنظيم حفلات توقيع مؤلفات شارك فيها نحو 400 مؤلف، وأقيمت أمسيات أدبية-موسيقية، مع الفقرة الأهم التي يواظب الإسبان عليها منذ ثلاثة عشر عاماً، وهي قراءة رواية “دون كيشوت” كاملة. وبما أن الكتاب كبير الحجم، ويضم ما لا يقل عن سبعمئة صفحة، فإنه يتعاقب على قراءته قراء كثيرون أمام جمهور تستهويه هذه التجربة، وكان وزيرا الثقافة والتربية الإسبانيين في مقدمة القارئين هذا العام.
الاحتفال السنوي بالكتاب أطلقته منظمة اليونسكو، ووقع الاختيار على هذا اليوم بالذات، لكونه يصادف يوم غياب كل من الأديبين وليم شكسبير وميغيل سرفانتس (مؤلف “دون كيشوت”) في العام 1616 ، وقد توفيا في يوم واحد. رغم أنه ليست هناك مشكلة قراءة أو كساد للكتب في ذلك البلد الأوروبي، إلا أن الأذهان تفتقت عن تنظيم احتفالية في قلب العاصمة، وفي مناطق رئيسة منها، لتقريب الكتاب إلى الجمهور في أجواء جذابة، أسوة بيوم المسرح ويوم الشعر وسوى ذلك من مناسبات. المناسبة عالمية، ولا تخص بلداً أو قارة أو ثقافة بعينها. لكن طبيعة الاهتمام بها وكذلك طريقة الاحتفال بها، تعكسان مدى تحضُّر البلدان والمجتمعات. في المناسبة نفسها تم الإعلان عن بيروت عاصمة عالمية للكتاب لهذا العام. بما يحمل تقديراً لهذه العاصمة وأهلها كما للعرب. فكثيراً ما عُدَّت بيروت مطبعة العرب، ومنارة العرب، وقد تغذت أجيال عربية من المحيط إلى الخليج على ثمار المطابع اللبنانية. مع ذلك فإن حجم القراءة في تراجع مستمر في العالم العربي، وقبل شهور كان استطلاع قد تحدثَ عن أن “أمة اقرأ لا تقرأ”، وأن معدل قراءة المواطن الواحد في العام الواحد هو في حدود ربع صفحة. باستثناء تسمية بيروت عاصمة عالمية للكتاب، لم ترشح أنباء عن احتفالات خاصة بمناسبة اليوم العالمي للكتاب، وقد مرت المناسبة ولم يبدُ أن أحداً قد التفت إليها.
في التعليق على احتفالات مدريد بيوم الكتاب، أشارت ناطقة باسم اتحاد الناشرين الإسبان، إلى أن مستوى القراءة في بلادها أقل من بعض مثيلاتها الأوروبيات، وعزت ذلك إلى أن بلد مصارعة الثيران قد تمكن من محو الأمية بصورة نهائية في سبعينيات القرن الماضي، بينما نجحت في ذلك كلٌّ من فرنسا وألمانيا منذ العام 1912 . في ديارنا العربية، لا تستقيم المعادلة على هذا الأساس، فالقضاء على الأمية التعليمية، لا يضع حداً بالضرورة للأمية الثقافية.
السجل.