حراك لمصلحة الفقراء ام الأغنياء
العميد المتقاعد عمر الخوري
05-06-2018 06:02 PM
في تحقيق لوكالة الانباء الفرنسية نـُشر قبل بضعة اشهر حول ما آلت اليه الأمور في العراق الشقيق بعد الاحتلال الامريكي عام 2003 وما صاحبه من تدمير لمؤسسات الدولة، نتيجة مؤداها ان "الفساد كان نملة واصبح ديناصورا".
بالاستفادة من تجربة العراق الشقيق، فإن التحدي الذي يواجه الاردنيين هو كيف نقضي على الفساد والفجوة الفجة بين الفقراء والاغنياء ونحقق الاستقرار الاقتصادي والعدالة الاجتماعية دون ان نهدم الهيكل على من فيه.
لطالما كان توزيع العبئ الضريبي لدينا مختلا بشكل كبير ومنافيا للمبدئ الدستوري في "التكليف التصاعدي" والذي ينبغي ان يتزايد حسب الدخل. فضريبة المبيعات وبقيمة 16% تـُحصـّل من المواطنين كافة بغض النظر عن مداخيلهم. وقد كانت هذه الضريبة التي تجعل المواطن يدفع ما يقارب خُمس قيمة السلع والخدمات التي يشتريها مدعاة للحراك اكثر من ضريبة تصاعدية على الدخل. نعم، قد يقال ان القانون المعدل لضريبة الدخل لم يناقـَش بشكل كافٍ وانه كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير ولا سيما ان مشروع القانون أخطأ باعادة استهداف الطبقة الوسطى، ولكن بعض التدقيق يُظهر ان المتضرر الاكبر من القانون هم الاغنياء وخاصة من اعتادوا التهرب الضريبي بمداخيلهم المتضخمة. ففي حالة ضريبة المبيعات يقوم رجال الاعمال بتحصيلها من المواطن و"نظريا" بتمريرها الى الدولة مع بقاء هامش ارباحهم ومداخيلهم ثابتا لا يُمس. اما في حالة ضريبة الدخل التصاعدية، فقد اصبح صافي ارباحهم ومداخيلهم عرضة لضريبة الدخل مع عقوبات رادعة للتهرب الضريبي والذي هو من ابرز مظاهر الفساد.
لا عجب ان سمح ارباب العمل "لأبناء الحراثين" بالاعتصام اثناء ساعات الدوام الرسمي وشجعوا مقاومة مشروع قانون ضريبة الدخل "فاللي بعمله الحرّاث بطيب للمعلم". وسنسمع بالتأكيد في مقبل الايام حديثا عن ان القانون سيحد من الاستثمار وسيكون له عواقب سيئة على الاقتصاد. إن من اكبر الاقتصاديين في العالم والذي يُمثل إقتصاد السوق والرأسمالية الامريكية بكل تجلياتها الملياردير وارين بافيت، وقد كان منذ سنوات مناديا برفع ضريبة الدخل في الولايات المتحدة وموضحا وجهة نظره بأن الضريبة لا تحد من الاستثمار، ومطالبا بحد ادنى على الاغنياء بقيمة 30%. علما بأن ضريبة الدخل على الافراد والشركات لديهم تمثل 57% من ايرادات الموازنة الفيدرالية، اما لدينا فهي تمثل اقل من 12% حسب بيانات موازنة 2018 المنشورة على موقع وزارة المالية. ومن عجائب المقارنات المؤسفة ان مشروع القانون المعدل حافظ على السرية المصرفية والذي سيعطل متابعة المتهربين ضريبيا، بالمقابل تطبق البنوك الاردنية بصرامة قانونا أجنبيا هو قانون الامتثال الضريبي الامريكي (FATCA) والذي يرفع السرية المصرفية عن المواطنين الاردنيين الذين قد تترتب عليهم ضرائب لحكومة الولايات المتحدة!
لقد اوصلت سياسات رفع الدعم والضرائب الموحدة والعزلة عن الشارع ومعاناة المواطن، اوصلت هذا المواطن الى "لزة الطور". وما الاعتصامات وما سبقها من اعمال محدودة العدد من السطو المسلح الا مؤشرا خطيرا على القول الذي يُنسب للإمام علي بن ابي طالب كرم الله وجهه "عجبت ممن لم يجد قوت يومه الا يخرج على الناس شاهرا سيفه". وهذا الوضع يتطلب معالجة فعالة تعزز التكافل الاجتماعي ويؤدي الاغنياء فيها واجبهم الوطني بدفع الضرائب التي تتوجب عليهم والتي تتناسب مع دخولهم. فنحن جميعا في مركب واحد، والامن والاستقرار هو الضمانة والدعامة الاكبر لازدهار الاعمال والاستثمارات. ونرجو ان لا يتنطع البعض لمقولة ان الدول المتقدمة تقدم خدمات مقابل الضرائب، فقد نجح الاردنيون في بناء دولة تؤمن المياه والكهرباء والخدمات والتعليم والصحة بمستويات جد متقدمة.
اما وقد تغيرت الحكومة، فإننا نأمل من الحكومة المقبلة إعطاء الاولوية للاصلاح الضريبي وإعادة توزيع الاعباء المالية حسب تصاعد الدخل، وان توضح بحزم لاصحاب الاعمال السلبيات المترتبة على الوضع القائم وبخاصة الأمنية منها. كما نأمل ان يُعنى الاصلاح بتحقيق ما يلي:
▪ رفع سقف الاعفاءات لا خفضها لأغراض ضريبة الدخل في ضوء ارتفاع الضرائب الاخرى وتراجع القوة الشرائية للطبقتين الفقيرة والمتوسطة. ولا عجب في ذلك، اذ تبين مؤخرا ان عمان هي اغلى مدينة عربية.
▪ تضمين القانون حوافزا لاستثمار أرباح الشركات في مشاريع تولد فرص عمل جديدة.
▪ النظر في مرحلة لاحقة في امكانية خفض ضريبة المبيعات المرتفعة اصلا.
▪ إعادة تفعيل وزارة التموين لضبط اسعار السلع والخدمات والحيلولة دون رفع البعض للاسعار لتعويض ضريبة الدخل التي ستترتب عليهم.
omar.khoury@gmail.com