بدأ الشعب الأردني بمغادرة صمته الطويل، برفع الصوت عاليا في وجه الظلم والظالمين، والفشل والفاشلين والفاسدين... موصلا رسالة مهمة بأن صمته لم يكن جهلا بحقوقه ولا جبنا من المهددين الذين لم يقرؤوا دستورهم - وإنما حفاظا على وطن عزيز.
فالإضراب الذي نجح بامتياز حبس أنفاس الدولة الأردنية، بل والعالم المهتم بشؤون المنطقة، فخرج الأردنيون منه بصورة الشعب الذي أوصل رسالته كما يجب مثل غيره من الشعوب المتحضرة.
أما الرسائل المتبادلة بين عدد من المسؤولين، فقد كشفت عن الارتباك والفشل الذريع في التعاطي مع الأزمات، وتقاذف الكرة بينهم لتمييع الأمر هو أسلوب قديم متهالك يراد منه تحويل الأزمة من أزمة تهدد الوطن إلى سؤال غير مفيد: من هو المسؤول عن قانون الضريبة: الحكومة أم النواب؟! وتناسوا أن المواطن غير مقتنع بأداء الاثنين معا.
المثير للدهشة أيضا رد فعل حكومة الغرور والتأزيم التي أرادت كسر إرادة شعبها برفع أسعار المشتقات البترولية ذات الأسعار المتورّمة أصلا، بل المضاعفة لأسعارها في أكثر الدول فقرا، فما كان من الشعب إلا أن رد عليهم ردا أكثر صلابة من غرورهم، وبأساليب أكثر ابتكارا، والأمور-على ما يبدو- مرشحة للمزيد.
سجلت الحكومة فشلا جديد في عدم قدرتها على الارتفاع إلى مستوى شعبها في احتجاجه المتحضر بالاستماع إلى نقاباته ورجال الخبرة من الصناعيين والتجار... بفتح باب الحوار كما سجلت فشلا إضافيا في التعامل مع هكذا أزمات مثل غيرها من حكومات العالم التي وجدت لخدمة شعوبها وإن عجزت فالاستقالة تصبح واجبة.
أما الكوميديا السوداء المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي من نشر تصريحات عدد من مسؤولي الأردن وأحاديثهم عن استثمارات بعشرات المليارات بالصوت والصورة، فقد أصبح محرجا، ومن حق المواطن أن يسأل عن هذه الاستثمارات الضخمة، وما جلبته للوطن والمواطن من تخفيف للمديونية، والفقر والبطالة.
لا يقل عن ذلك الأسئلة المشروعة عن كل هذه الضرائب التي يدفعها المواطن بحجة تخفيف المديونية منذ سنوات بينما هي في ارتفاع ملحوظ، والخدمات في تراجع، والبطالة في ازدياد والأسعار في ارتفاع، والتشريعات غير ثابته مما يهدد في طرد الاستثمار.
التحولات في موقف الأردنيين متوقعة ومن غابت عنه فهو أعمى بصر وبصيرة في آن، فكل صبر إلى نفاذ، ويبقى الأمل بحسن إدارة الشعب لأزماته من ضرورة الحفاظ على الوطن ومكتسباته، وإنها لثورة كرام إن شاء الله حتى وإن أرادوها ثورة جياع.