* دعوة لتمثيل الأحزاب والتكنوقراط والمرأة والشباب في تشكيل الوزارة الجديدة
ما شهدته البلاد خلال الأيام الماضية، يحق لنا كأردنيين أن ندعوه عرساً حقيقياً لنضج الديمقراطية بأسمى صورها تمثلت في المظهر الرائع الذي شكله هذا النسيج الحي المتظاهر، واللحمة والأخوة مع حماة الوطن، فالمتظاهرين كانوا في قمة الوطنية في ممارستهم لحقهم في التظاهر، وحماة الوطن كانوا مثالاً للتعامل الراقي الأخوي مع المتظاهرين، ولعل أجمل ما في هذا العرس الوطني هو استجابة القيادة العليا للبلاد متمثلة بسيد الوطن جلالة الملك عبد الله الثاني حفظه الله ورعاه، لمطالب الشعب؛ فأقيلت الحكومة بنهجها الذي أوصلها إلى طريق مسدود؛ إن لهذه الإقالة بعض المدلولات الهامة في مسيرة الديمقراطية: وأولى هذه المدلولات أن مسيرة الديمقراطية تمشي في الطريق الصحيح الذي خطه سيد البلاد حين قال في الورقة النقاشية الثانية:" إن تكوين مجتمع ديمقراطي متقدم هو نتاج التعلّم من التجارب المتراكمة، والجهود المشتركة، وتطويره مع مرور الوقت، ولا يتم ذلك من خلال مرحلة إصلاحية محددة أو جملة إصلاحات واحدة. فالإصلاح الديمقراطي لا يختزل بمجرد تعديل للقوانين والأنظمة، إنما يتطلب تطويرا مستمرا للنهج الذي يحكم الممارسات والعلاقة بين المواطنين، والجهاز الحكومي"، وهاهو الشعب ذاق طعم الديمقراطية الحقة وتم تلبية إحدى متطلباته الهامة وهو تغيير النهج الذي سارت عليه الحكومة السابقة، فصحيح أنه كان يُنادي بإسقاط الحكومة ولكنه يقصد بالتحديد النهج الذي سارت به الحكومة، أما النقطة الثانية والتي تمت تحقيقاً لمقولة جلالة الملك عبد الله في ذات الورقة النقاشية :" النواب الذين يحملون أمانة ومسؤولية اتخاذ القرار بالنيابة عن المواطنين الذين انتخبوهم. وكما أشرت في الورقة النقاشية الأولى، فإن التزامنا بمبادئ المواطنة الحقة، والاحترام المتبادل، وممارسة واجب المساءلة، والشراكة في التضحيات والمكاسب، والحوار البناء وصولاً إلى التوافق على امتداد مسيرتنا المباركة هي من ضروريات نجاحنا كأمة في مسعاها نحو تجذير الديمقراطية"، فها هم أكثرية النواب يؤيدون مطالب الشعب في رفضهم لنهج الحكومة السابقة.
ونظراً إلى إقالة أو استقالة الوزارة السابقة وقبول جلالة الملك عبد الله لهذه الاستقالة وصدور كتاب التكليف الرسمي من جلالته للدكتور عمر الرزاز بتشكيل الحكومة الجديدة والذي جاء فيه:" ... وعلى الحكومة أن تطلق فوراً حواراً بالتنسيق مع مجلس الأمة بمشاركة الأحزاب والنقابات ومختلف مؤسسات المجتمع المدني، لإنجاز مشروع قانون ضريبة الدخل الذي يعد تشريعاً اقتصادياً واجتماعياً مفصلياً، إذ إن بلورة قانون ضريبة الدخل هو خطوة ومدخل للعبور نحو نهج اقتصادي واجتماعي جديد حوهره تحقيق التنمية والعدالة....وعلى الحكومة أن تضع الإصلاح الإداري والنهوض بأداء الجهاز الحكومي على رأس أولوياتها، واعتباره مصلحة وطنية عليا، فلا مجال لأي تهاون مع موظف مقصر أو مسؤول يُعيق الاستثمار بتعقيدات بيروقراطية أو تباطؤ يضيع فرص العمل على شبابنا والنمو الاقتصادي...
إن الحكومة مطالبة أيضاً بمواصلة مسيرة الإصلاح السياسي والبناء على ما تم إنجازه في الأعوام السابقة، وهنا لا بد من إعادة النظر في التشريعات الناظمة للحياة السياسية بما يُعزز دور الأحزاب السياسية ويُمكنها من الوصول إلى مجلس النواب ....واستناداً إلى ما عهدنا فيك من خبرة ورؤية، وما نتوسمه فيك من تواصل فاعل وصادق مع المواطنين، فإننا بانتظار تنسيبك بأسماء زملائك وزميلاتك الوزراء، بعد إجراء المشاورات الضرورية لاختيار أصحاب الكفاءة والخبرة والمسؤولية ممن سيشاركونك حمل الأمانة في هذه المرحلة الوطنية الدقيقة، وستجد مني وزملائك الوزراء كل الدعم والمؤازرة"، ونحن ندعوا لسعادة الدكتور عمر الرزاز ذي الكفاءة المشهودة والسمعة الطيبة بالتوفيق وأن يُعينه الله على تحمل هذه المسؤولية الصعبة.
وهنا أرجو أن تكتمل مسيرة الفرح بالدعوة إلى أن يكون أعضاء الحكومة القادمة من ذوي الأيادي البيضاء المشهود لهم بالكفاءة والنزاهة، وأن يتم البدء بمشاركة أعضاء الأحزاب الذين لديهم برامج عمل سياسية وطنية وصريحة في هذه الحكومة، إضافة إلى أن يكون هناك مجموعة من الوزراء التكنوقراط الذين يتمتعون بالكفاءة العالية، طبعاً إضافة إلى ضرورة وجود المرأة التي أثبتت كفاءتها في مسيرة الديمقراطية الأردنية، ولا بد من وجود الشباب في هذه الوزارة فهم من سيقود البلاد في المستقبل فليكونوا في مقاعد المسؤولية منذ اليوم، ولتكن هذه الوزارة الطليعة الأولى للمرحلة التالية من عرس الديمقراطية الأردني حتى:" بروز أحزاب وطنية فاعلة وقادرة على التعبير عن مصالح وأولويات وهموم المجتمعات المحلية ضمن برامج وطنية قابلة للتطبيق"، ففي الملكية الدستورية يتم تشكيل الحكومات من خلال:" الكفاءات المتمثلة في الأحزاب، والتكنوقراط، لنصل في النهاية إلى إن الحكومات غالبا ما تُشكل من قبل حزب الأغلبية المنتخب، أو ائتلاف لأحزاب تحظى بالأغلبية في المجلس التشريعي (كما هو الحال في إسبانيا وبلجيكا)".
فها هو الشعب الأردني يأخذ دوره في مسيرة الديمقراطية، وهاهو سيد البلاد ينحاز لمصلحة الأردن والأردنيين فقط؛ وصولاً إلى تمكين الطبقة الوسطى وتوسيعها لأنها رافعة الإصلاح السياسي، وكما جاء في الورقة النقاشية الثالثة لجلالة الملك عبد الله:" فانخراط المواطنين في الحياة العامة ضروري من أجل تطوير نظام الأحزاب السياسية الفاعلة الذي نحتاجه. كما أن المواطنين هم أصحاب القول الفصل في إخضاع الحكومات للمساءلة، وذلك من خلال أصواتهم الانتخابية، ومستوى وعيهم، ومشاركتهم"، وهاهو الشعب يشارك ويُبدي رأيه الصريح في الحكومات ونهجها وهذه دعوة إلى الوزارة القادمة بأن تكون مصلحة الأردن والأردنيين أولاً، كما إن الشارع عليه الانتظار لفترة معقولة من الزمن ليرى النهج الذي سوف تخطته هذه الحكومة فإن سارت في طريق الديمقراطية ومسيرة التطوير والتنمية وأدت دورها في خدمة الشعب ومصالحه، فسيكون لها الشعب عوناً وسنداً، وإن لم تفعل فالشعب قد دخل في عرس الديمقراطية الحقة، ولن يتنازل عن حقوقه.
المحامي الدكتور سعد علي البشير
عضو مجلس إدارة الاتحاد الدولي للحقوقيين