للتاريخ ايضا غرف عناية مركزة، لكن ما تحتاج اليه الكيانات المصابة بالانيميا الوطنية وفقدان المناعة القومية ليس الدم او الجلوكوز بل استدعاء ما في مخزونها الاستراتيجي من مقومات البقاء على قيد التاريخ.
وفي عصرنا الذي يشهد ظواهر غير مسبوقة منها الابادة السلمية والانقراض المعنوي اصبحت بعض الكيانات مهددة بالطرد من التاريخ اضافة الى الجغرافيا، ومعنى ذلك انتهاء صلاحيتها الحضارية والثقافية وعجزها عن التأقلم الحيوي والاستجابة للتحديات على اختلاف مصادرها. والدخول الى غرف العناية الفائقة في التاريخ دلالته ان اللحظة اصبحت فارقة وان الاختبار وجودي وعسير.
للوهلة الاولى قد تبدو هذه التداعيات مجازية والحقيقة انها ليست كذلك، فهي واقعية بامتياز لآن الحضارات التي سادت ثم بادت منها ما بلغ شيخوخته مبكرا لأنه لم يمتلك غير القوة الصماء الخشنة والغاشمة، ومنها ما طالت فترة احتضاره !
وما يمر به عرب هذه الالفية يتجاوز في دراميته كل التوصيفات السطحية لأن الهشاشة والضعف الان ليست من عوامل خارجية فقط بل هي من صميم المفاعيل السلبية التي تتلخص في التآكل بدلا من التكامل وفي المديونيات على اختلاف اشكالها بدلا من استثمار الفائض، سواء كان ديموغرافيا او ذا صلة بالمواقع الاستراتيجية او الثروات التي بددت بسفاهة نادرة !
ان ما يجري في العالم العربي هو في حقيقته انتحار قومي وتعبير عن ما يسميه علماء النفس نزعة تدمير الذات ، وقد يكون التواطؤ على استبدال قضايا حيوية من صميم الواقع بقضايا يجري تصنيعها في المختبرات الاستراتيجية للقوى المتحكمة بهذا الكوكب احد اسباب تفاقم الداء، لأن المسكوت عنه والمحظور الاقتراب منه اضعاف المسموح بالحديث عنه، ونتيجة ذلك فإن المريض العربي الذي يخدع نفسه واطباءه ايضا عليه ان لا ينتظر الشفاء!
الدستور