اليوم عطلة رسمية بمناسبة اليوم العالمي للعمال. لكن العالم وعماله سيحتفل بهذه المناسبة يوم الثلاثاء المقبل - بعد غد - الموافق الاول من ايار, وهذا ما يجعل من اليوم عيدا لعمال الاردن فقط لا غير. انه اسلوب يُظهر التميز الاردني عن الاخرين, لكنه من النوع الذي يوقع المرء في حيرة تجاه ما يطرأ من مواقف تترتب على مثل هذه القرارات الادارية.الصحافة الاردنية مثلاً, احتارت في اتخاذ قرار بالعطلة, كما جرت العادة عبر السنوات السابقة, كانت الصحف تحتجب في الثاني من ايار, لان عمال المطابع يعطلون في الاول منه, هذه المرة ماذا نقول للقارىء اذا احتجبت الصحف غدا باعتبار ان عمال المطابع كانوا سيعطلون امس وفق العطلة الرسمية, هل سنكتب »تحتجب الصحف غدا الاثنين الموافق الـ 30 من نيسان بمناسبة عيد العمال العالمي الذي يصادف اليوم وبهذه المناسبة نقدم التهنئة للعمال.. الخ« مثل هذا سيجعلنا في موقف من يريد »اختلاق« شيء, لذلك اثرنا ان لا نعطل, وسنقدم بطاقة التهنئة للعمال في الاول من ايار بعد غد وليس اليوم.
لست متحمسا في البحث عن جذور القضية, ولا في تتبع دوافع التراجع عن الاول من ايار الى التاسع والعشرين من نيسان, خاصة بعد ان سمعت تبريرا من احد المسؤولين بان »جمع ايام العطل« يغذي السياحة الداخلية. هذا حسن, لكن ما انا متأكد منه ان التغذية الكبرى تذهب الى فنادق دمشق والقاهرة وشرم الشيخ التي تستقبل الاف السياح الاردنيين.
على اي حال, عيد العمال, هو من تراث ايام الحرب الباردة بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي, لقد كان تعبيرا عن تنافس المعسكرين في »تدليل« العمال, ومنحهم حقوقهم بينما الواقع يقول عكس ذلك تماما.
في المعسكر الاشتراكي, كانوا يحتفلون بعيد العمال تحت شعار »يا عمال العالم اتحدوا« وفي المعسكر الرأسمالي رفعوا شعار »الحرية للنقابات العمالية« وهذه وتلك شعارات سياسية ان دلت على شيء فانما على ان قضية »العمال« مسألة عابرة للحدود والدول والقارات.
مع انهيار الاشتراكية السوفييتية ومعسكرها الاوروبي والآسيوي, انتصر مبدأ حرية النقابات, وبدا ان الحركة العالمية العمالية قد اخذت بالتفكك لصالح النقابات القومية والوطنية جنبا الى جنب مع شيوع مبدأ الخصخصة في الاقتصاد العالمي.
لكن يبدو ان هذا الامر لن يدوم طويلا لان العولمة وسيطرة الشركات متعددة الجنسيات الحقتا اضرارا كبيرة بالعمال, وجعلتا الشركات الكبرى تتفرد بهم وتمعن في استغلالهم, هذا فيما استفحلت البطالة خاصة في دول العالم الثالث, من هنا بدأت بعض النقابات تتحرك في اتجاه العودة الى الشعار الماركسي »يا عمال العالم اتحدوا«. واخر الاخبار, ان عددا من النقابات البريطانية والفرنسية والكندية تستعد لاقامة اتحاد بينها بعد ان اكتشفت بان مطالب العمال في هذه البلدان تكاد تكون واحدة وبان »المالكين« من اصحاب رؤوس الاموال هم انفسهم في البلدان الثلاثة.
مرة اخرى, ستقع الشركات الكبرى فريسة لخططها ونظرياتها, لان تعميم »العولمة« من اجل فتح الاسواق والسيطرة على الصناعات واحتكارها سيؤدي كرد فعل, الى »عولمة« القضايا العمالية والنقابية والى اتحاد النقابات, وربما سيشهد القرن الحالي قيام امبراطوريات نقابية عبر العالم, بمواجهة امبراطوريات الشركات, وهو امر لم يكن يحلم به ماركس ولينين.