أنهى الأردنيون يوم 30 / أيار / 2018، آخر أيام الربيع العربي، بعد أن تحلى شعبنا باليقظة وعدم التورط في أعمال احتجاجية كان يمكن أن تسهم في تدمير الأردن شعباً ونظاماً ومؤسسات كما حصل لبعض أطراف الربيع العربي، طوال السنوات السبع الماضية في ليبيا وسوريا واليمن ومن قبلهم العراق والصومال، واستنزاف مصر، وبقي الأردن مع المغرب وإن كان أقل منه درجات محصناً من الأفعال المؤذية، وحافظ على مستوى معقول من عدم التورط الرسمي والشعبي في التصادم، وجعل الحوار والمصلحة والحرص الأمني عنواناً على مستويات مختلفة حمت الأردن من الفلتان، بعد أن أثبتت المعارضة الأردنية القومية واليسارية والإسلامية حرصها لأن تبقى مستوى احتجاجاتها، عقلانية وراشدة ومسؤولة.
لم يتورط الأردنيون في دهاليز الربيع العربي وإجراءاته وسياساته وتنظيماته العابرة للحدود، رغم انحيازهم للعمل على تحقيق أهداف الربيع العربي الغائبة المغيبة بعد أن أخفقت حركة التحرر العربية في إنجازها طوال نصف القرن الماضي منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية وهي: 1 – استكمال خطوات الاستقلال السياسي والاقتصادي، 2 – تحقيق العدالة الاجتماعية، 3 – شيوع الديمقراطية، 4 –تحرير فلسطين والوحدة العربية.
رفض الأردنيون مآلات الربيع العربي وتداعياته ولم يتجاوبوا معها، لأنه لم يقطع شوطاً إلى الأمام على طريق تحقيق أهدافه، بل حصل تراجع لدى حركة التحرر العربية لصالح هيمنة طرفين: أولهما أحزاب وتنظيمات التيار الإسلامي المتطرفة المعادية للديمقراطية وللتعددية ولقيم العصر، وثانيهما لصالح أجهزة الدولة العميقة وقوى الشد العكسي.
لم يتجاوب شعبنا الأردني مع الربيع العربي بوعي أحزابه ونقاباته ومؤسسات المجتمع المدني لديه، وحافظوا على مكتسباتهم، وأفشلت الأجهزة محاولات التسلل المسلح عبر الحدود، مثلما أخفقت محاولات الخلايا الكامنة لتنفيذ عمليات تدميرية في إربد والكرك والزرقاء وغيرها، وهكذا نجا بلدنا من تداعيات الربيع العربي ومظاهره المتطرفة.
احتجاجات يوم الثلاثاء 30 أيار ليست لها علاقة بالربيع العربي، إنها ظاهرة أردنية بامتياز تشكل امتداداً لهبة نيسان 1989 في عهد حكومة زيد الرفاعي، واحتجاجات الخبز في عهد حكومة عبد الكريم الكباريتي 1996، وسماتها احتجاجية اجتماعية تقوم على المطالبة بحقوق، أو رفضاً لالتزامات عنوانها قانون الضريبة، وجوهرها مطالب سياسية واقتصادية واجتماعية عجزت الحكومات المتعاقية على معالجتها، والذي يؤكد أردنيتها وتمايزها أنها سلمية بحتة لم يقع فيها وخلالها حادث تصادمي واحد مع أجهزة الأمن، وهذا دليل عافية، يعود ليس فقط لشطارة الطرفين بل لوعي وطني عميق لدى النقابات والأحزاب ولقرار أمني سياسي رسمي مركزي رفيع المستوى تم تنفيذه بحرص وإدراك كاملين.
مظاهر الاحتجاج يوم الـ 30 من أيار سيسجل في تاريخ الأردنيين على أنه محطة جديدة نوعية في العمل والمطالبة ضمن معادلة توافقية تعتمد على خبرات متراكمة من التجرية والخبرة تؤكد ما سبقها، وتقدم لما بعدها، وحصيلتها أن الأردنيين لديهم نظام يستحق الحفاظ عليه، وكرامة تستحق المباهاة بها، ومعارضة كفؤة تقودها الأحزاب اليسارية والقومية والنقابات المهنية تقوم على الولاء الوطني وتحصيل مستحقاتها وفق التدرج والمرحلية، وليس على التطرف والشعبوية والشعارات المتطرفة وإن لم تخلو من محاولات بعضهم لرفع سقف المطالب، ولكنها اصطدمت بوعي قادة الأحزاب والنقابات ولجمها.
الحوار سيكون سيد الموقف بين مؤسسات الدولة الثلاث: 1- الحكومة 2- النقابات والأحزاب 3- البرلمان، وإذا تعثر في جلسة الدوار الرابع، ستكون هناك جلسات جانبية غير علنية، وجلسات دستورية تحت قبة البرلمان، وفي رعايته بجناحيه النواب والأعيان، فهذا بلدنا وهذا شعبنا وهذه دولتنا المحمية بوعي الأردنيين وإخلاصهم من أجل سيادة القانون، ورفض إجراءات تمس حياتهم، ولقمة عيشهم، والحفاظ على الحد الأدنى من دخولهم، فالضرائب واجبة، ولكن مقابلها لنا حقوق مُغيبة لا بد من تحصيلها وتأديتها لنقف على أرضية جمعية موحدة وفق عدالة الحقوق والواجبات.
محطة 30 أيار ليست نهاية المطاف، بل خطوة تراكمية على الطريق الطويل، طريق الأردن الديمقراطي التعددي المؤسساتي المحمي بشعبه وأحزابه ونقاباته والفاعلين بوعي في إدارة مسيرته.