صورتان مغايرتان لشقيقين يدرسان في جامعتين مختلفتين، احداهما جامعة أردنية والثانية جامعة بريطانية:
"المشهد الأول"
المكان: جامعة أردنية
الزمان: سنة دراسية رابعة
الشخوص: طلبة كلية الطب.
يدخل أستاذ كلية الطب المدرج. يسأل الطلاب عن أسمائهم ويجيبون، ثم يعلق بسخرية: خلقة الله ! ..في منتصف المحاضرة يتجرأ أحد الطلبة ويطرح سؤالاً حول المادة، فيرميه الأستاذ بنظرة خالية من أي تعبير ثم يجيب بكلمة واحدة : " غشيم"، ولا يجيب!.
المشهد الثاني:
المكان: جامعة بريطانية
الزمان: سنة دراسية أولى
الشخوص: طلبة كلية الهندسة.
يدخل أستاذ كلية الهندسة ويلقي التحية. يسأل الطلبة عن أسمائهم دون أن تفارقه الأبتسامة. ثم يعلق بحماس قائلا: "أنتم أشخاص ناجحون، تفاءلوا بالحياة وامتلئوا بالثقة، وتذكروا جيدا انكم تمتلكون طاقات مذهلة وكل شخص منكم يستطيع أن يتفوق، أنا متأكد أنكم ستكونون مصدر فخر".
نعامل طالب السنة الرابعة كنكرة ويعاملون طالب السنة الأولى كقدّيس . الموقفين السابقين حقيقيين ويتكرران بأشكال مختلفة وسأترك للقارئ التعليق عليهما. لكن الكلمة طاقة، والطاقة تبقى مخزونة ثم تظهر على السطح كفعل، ولا يعي كثيرون ذلك فيقذفون باستيائهم في وجوه غيرهم. الدكتور ابراهيم الفقي أستاذ ومحاضر عالمي في البرمجة اللغوية العصبية يقول أن الرسائل اللفظية وغير اللفظية التي نتلقاها من المحيط ويكررها علينا الغير تصل للدماغ ويصدقها العقل كحقيقة واقعة ويصعب إعادة برمجتها في المستقبل، فما بالك بدروس الإحباط التي يتلقاها طلبتنا وجبة سريعة دون أن يدور بخلد المعلم أو المحاضر أن العقل وعاء يتم فيه تحريك الاستجابات الذهنية.
وسأطلع القارئ على رسالة مفزعة في بريدي الالكتروني جاء فيها " تخرجت من الجامعة حديثاً. مع ذلك أنا خجول ولا أستطيع أن أعبر عن نفسي وأصبحت أتجنب الدخول في حديث جماعي. ذهبت لمقابلة عمل وتلعثمت، أخاف الآن أن أذهب لمقابلة أخرى"ويسودّ وجهي". أشعر أنني فاشل جدا وأعرف أنني لن أحصل على الوظيفة التي أتمناها، وأنني لن أجد "بنت الحلال" فمن سترضى بشخص مهزوز وتافه وشخصيته ضعيفة مثلي!". انتهت الرسالة.
الصوص يزقزق كما يعلمه أبوه ، ونظرة متفحصة للشخصية التي يخرج بها من الجامعة كثير من الطلبة تلقي الضوء على ضعف الدور المأمول من جامعاتنا في تنمية شخصية الطالب، خاصة مع غياب الأساليب البحثية والأنشطة اللامنهجية، وهذا بالمناسبة يعزز ظهور الجانب العدائي أيضا ً لذلك تكثر البلطجة والمشاجرات في الجامعات . هناك ثغرات في العملية التعليمية يجب الالتفات لنتائجها على المجتمع، فمن المفترض أن يرصّع التعليم، وأعني خاصة التعليم العالي، شخصية الانسان ويزيدها نضجاً وثقة ووعيا ً، لكننا نزرع في طالبنا شعورا ً خطيرا ً بالدونية واستباق الفشل!.