بصراحة مع الدكتور رجائي المعشر
السفير الدكتور موفق العجلوني
02-06-2018 07:12 PM
جذب انتباهي مقال هام لمعالي الدكتور رجائي المعشر حول قانون ضريبة الدخل الجديد وتداعياته على الساحة الاردنية وتأثيره على مختلف القطاعات وخاصة ذوي الدخل المحدود من المواطنين الأردنيين الذي يعانون الامرين بسبب محدودية الدخل وارتفاع الاسعار وغلا المعيشة والفقر والبطالة الذي يجتاح الشريحة الاوسع من المجتمع الاردني.
وضع الدكتور المعشر - والذي يتمتع باحترام و تقدير كبيرين سوآء على المستوى الرسمي او الشعبي و تقلد العديد من المناصب الحكومية و مواقع هامة على صعيد القطاع الخاص - إصبعه على وجعين أحلاهما مر ، وجع الناس و الحراك في الشارع الاردني هذا الحرك الشعبي المتآم من ضيق العيش و المنتمي لقيادته ووطنه و الذي عانى الكثير بسبب الظروف السياسية و الامنية المحيطة في الاردن و الحصار غير المباشر في المنطقة العربية و ظلم المجتمع الدولي بترك الاردن وحيداً في مواجهة اللجوء السوري ، و الذي اصبح عبئاً على كافة المعطيات الاقتصادية و السكانية و الموارد المائية و البنية التحتية والتعليم و الصحة.
وهنا لا بد ان ارفع القبة (كما يقال) لمعالي الدكتور المعشر في اشارته لمواطن الوجع المزمن على القطاعات الاقتصادية الاردنية والتي تمس حياة المواطن اليومية والتي تتمثل بالإلام المبرحة التالية:
سوف يتحمل القطاع الصناعي والذي هو أكبر مشغّل للأيدي العاملة الأردنية عبئا ضريبيا كبيرا من خلال زيادة نسبة الضريبة على القطاع الصناعي وإلغاء إعفاء أرباح الصادرات من الضريبة، أي أن القانون بصورته الحالية سيكون له أثر سلبي على قطاع الصناعة.
سوف يتحمل القطاع التجاري عبئا بسبب زيادة الضريبة على القطاعات التجارية مما سيؤدي الى زيادة الأسعار على المواطنين بالإضافة الى تراجع الطلب على الكثير من السلع.
سوف يفرض قانون الضريبة الجديد على القطاع الزراعي إذا زاد الدخل عن 25 ألف دينار سنويا، وهذه الضريبة تفرض لأول مرة.
سوف يؤدي رفع نسبة الضريبة على البنوك وشركات التأمين والتأجير التمويلي وشركات تمويل المشاريع الصغيرة والشركات المالية الى 40 بالمئة إلى ارتفاع تكلفة التمويل لغايات المشاريع الإنتاجية والسكنية وقروض الأفراد والقروض الصغيرة وقروض الشركات الصغيرة والمتوسطة.
هذه القطاعات المالية تشكل عماد الاقتصاد الوطني الاردني وبالتالي ستكون هذه الاثار السلبية معيقة للاستثمار وتقييد وتحديد النشاط الاقتصادي في العديد من القطاعات والتي تعاني اصلاً من الركود مثل قطاع الإسكان وتمويل الافراد، علاوة على زيادة كلفة التمويل للأفراد او المؤسسات.
وهذا بطبيعة الحال سوف يؤثر سلباً على كافة القطاعات الاخرى التي شملها زيادة نسبة الضريبة.
أما الوجع الثاني فهو وجع الحكومة والتي تقع بين نارين او حتى ثلاثة نيران مشتعلة والتي تتمثل في: اشتراطات صندوق النقد الدولي وعجز الموازنة والشارع العام (الملعون سنسفيله – والمآكل هوى) ويخشى في حالة عدم قدرة الحكومة على اطفائها واستمر اشتعالها، ان تأتي على الاخضر واليابس لا سمح الله.
والسؤال الوجيه الذي طرحة رجل الاقتصاد ونائب رئيس الوزراء سابقاً الدكتور المعشر فهو: لماذا هذا القانون الضريبي " ثقيل الظل " الجديد؟ لماذا هذا الإصرار من قبل مجلس الوزراء على إقرار مشروع القانون وبهذه السرعة؟
يجيب الدكتور المعشر، ان هذا القانون يصب في مصلحة الاقتصاد الكلي ...!!! وهذا الامر برآي – مع تقديري واحترامي لمعالي استاذي الدكتور المعشر يحتاج الى العودة الى نظريات كل من الفيلسوف والباحث الأسكتلندي ادم سميث ابو الاقتصاد وكذلك الى الذين سبقوه في علم الاقتصاد الكلي أمثال: فرانسوا كيناي وجون لوك وديفيد هيوم لأفهام الشارع الاردني هل مصلحة المواطن تتعارض مع مصلحة الاقتصاد الكلي ... وباعتقادي ان معالي الدكتور المعشر قد درس هذه النظريات ويعرف مضامينها جيداً، الا ان الشارع الاردني ربما في غياب عن هذه النظريات والتي نحن بعدين عن تطبيق مضامينها.
ولكن كيف يصب هذا القانون في مصلحة الاقتصاد الكلي؟ يجيب الدكتور المعشر ان الحكومة تسعى الى تحقيق الاهداف التالية:
تسعى الحكومة الى تحقيق هدفين في آن واحد: معالجة الاختلالات في المالية العامة وتحفيز النمو الاقتصادي.
تسعى الحكومة من خلال برنامج التصحيح المالي والاقتصادي الموقّع مع صندوق النقد الدولي إلى زيادة إيرادات الدولة وتخفيض نفقاتها وخفض العجز في الموازنة العامة والمحافظة على نسبة المديونية الى الناتج المحلي الإجمالي وتخفيضها ما أمكن.
تسعى الحكومة للحصول على موافقة صندوق النقد الدولي لإجراءاتها حتى تمكنها من الاقتراض المحلي والخارجي، بهدف خفض الدين العام وإعادة هيكلة المديونية وتعزيز احتياطات مناسبة من العملات الأجنبية لدى البنك المركزي.
عقدت الحكومة الاردنية اتفاقا مع صندوق النقد الدولي، وافقت بموجبه على إقرار سلسلة من الإجراءات كان آخرها إقرار مشروع معدل لقانون ضريبة الدخل ما أتاح لها البدء بمراجعة لبرنامجها مع صندوق النقد الدولي وبالتالي الحصول على الشهادات اللازمة لبدء عملية الاقتراض للغايات التي ذكرت سابقا.
هناك اسباب موجبه لإقرار هذا القانون الجديد والتي تتمثل بالمبررات التالية:
• زيادة الواردات الضريبية المباشرة.
• الحد من التهرب الضريبي من خلال سد الثغرات في مواد القانون التي تساعد على ذلك، وأيضا تغليظ العقوبات على المتهربين لتصل الى الحبس.
• زيادة أعداد المكلفين.
في ضوء هذا المخاض المتعسر الولادة الذي تعيشه الحكومة ويعيشه الشارع الاردني الذي يعاني اصلاً من ازمة خانقة ليس من حيث ازمة المرور والشوارع ولكن من حيث الفقر والجوع والبطالة والمديونية على مستوى الافراد وعلى مستوي عجز الموازنة وعبئ اللجوء السوري والظروف الامنية والسياسية المحيطة في الاردن، يسعفنا الدكتور المعشر بالإجابة على بعض الاسئلة التي تدور في ذهن المواطنين حول القانون الضريبي الجديد، مستدركاً بنفس الوقت بطرح سؤال هام:
هل يخدم مشروع هذا القانون المصلحة الوطنية العليا؟
يؤكد الدكتور المعشر أن الاثر السلبي لهذا القانون ينطبق على معظم القطاعات الأخرى التي شملها زيادة نسبة الضريبة.
بنفس الوقت ان هدف الحكومة الاقتصادي هو تحسين مستوى معيشة المواطنين وتوفير الخدمات اللازمة لهم على أفضل وجه مثل التعليم والصحة والتنمية الاجتماعية والثقافة، بالإضافة الى مسؤولية الدولة الأولى وهي توفير الامن وحماية المواطنين من المخاطر الداخلية والخارجية.
يعتقد الدكتور المعشر انه سيتم تعديل مشروع قانون ضريبة الدخل في مجلس الأمة، بهدف تخفيض العبء على المواطنين عما جاء في مشروع القانون وتخفيض نسبة الضريبة على الشرائح المختلفة.
ان زيادة المبالغ المخصصة لكل شريحة عن الخمسة آلاف دينار المقترحة، إن مثل هذه التعديلات ستؤدي إلى المحافظة على الطبقة المتوسطة والأقل حظا كما ستقلل نسبة الضريبة المدفوعة من قبل العاملين في الإدارات المتوسطة، سيمنح حدا مناسبا ومجديا من الإعفاءات للأفراد.
ويختم الدكتور حديثه بنظرة تفاؤلية بالوصول الى توافق حكومي شعبي بما يتعلق بقانون الضريبة الجديد من خلال المعطيات التالية:
لن يقر هذا المشروع الا بعد مناقشته واقراره من قبل مجلس الامه.
بالنسبة للشارع الاردني لن يكون القانون الجديد مقبولاً.
لا اعتراض على زيادة كفاءة التحصيل والحد من التهرب الضريبي وتبسيط الإجراءات وتطوير أداء دائرة ضريبة الدخل.
سيكون مشروع القانون موضوع حوار وطني شامل بأخذ زمام المبادرة فيه بالمرحلة الأولى بمجلس الأمة وبمشاركة واسعة من النقابات المهنية والجمعيات وأصحاب الأعمال وغرف التجارة والصناعة وممثلين عن مؤسسات المجتمع المدني المعنية بحقوق المواطنين وبخاصة الاقتصادية منها، ويكون الهدف من هذا الحوار التوصل إلى تفاهمات حول مشروع هذا القانون تهدف أولا وأخيرا إلى تحقيق مصلحة الوطن العليا.
هنالك تفاؤل بالتوصل الى مشروع قانون يحقق اهداف التنمية الاقتصادية ويؤدي الى تحسين مستوى معيشة المواطنين.
أصبحت التجربة الأردنية في التعامل مع التحديات التي واجهت الأمة العربية خلال السنوات الماضية مثالا يحتذى. فالأردن يعتمد الحوار واحترام الرأي والرأي الاخر والعمل المشترك بين المكونات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الأردنية للوصول إلى الحلول المناسبة.
مسيرة الإصلاح التي يقودها جلالة الملك عبد الله الثاني حفظه الله ضمن رؤيته الواضحة والتي تضمنتها الأوراق النقاشية وحددت تفاصيلها ودور المؤسسات فيها وكذلك الحوارات الوطنية الموسعة والشاملة التي وضعت قوانين إصلاحية وتعديلات دستورية واسعة.
الاردنيون على الصعيدين الرسمي والشعبي قادرون على التعامل مع مشروع هذا القانون وصولا إلى صيغة تخدم أبناء الوطن ومصالح الوطن العليا وتحقيق الرفاه والازدهار لهذا الوطن الغالي.
في الختام لا بد من توجيه كلمة شكر لمعاليي الدكتور المعشر على اجابته على العديد من الاسئلة التي تدور في ذهن المواطن الاردني حول مشروع قانون ضريبة الدخل الجديد، هذا القانون الذي خلق ازمة اقتصادية علاوة على ما يعانيه الاقتصاد الاردني والمواطن الاردني من ازمات خانقة. ونتطلع الى ملاحظات قادمة كما وعد معاليه تكون بمثابة اضاءات وحلول إجابيه تجاه الموان الاردني ومصلحة الاقتصاد للأردن.
حفظ الله الاردن وقيادته الحكيمة، وكل الأردنيين والوطن بألف ألف خير.