جامعاتنا الرسمية في مأزق .. ما العمل؟
حسين الرواشدة
29-04-2009 05:58 AM
الاخبار التي تأتينا من جامعاتنا الحكومية (دعك من الخاصة) لا تسرنا ، وقد أشرت في هذه الزاوية 0 اكثر من مرّة الى ان ثمة تجاوزات تحدث ، وتراجعات يجري التعامل معها بعدم اهتمام ، وعجوزات مالية تنذر بالخطر ، واكاديميون يتسربون بحثاً عن «رواتب» افضل ، وطلبة يهربون نحو «العنف» لملء فراغهم ، لكن يبدو ان اصداء ما كتبته - وغيري كثيرون - لم تصل لأحد ، لا لأن المسألة لا تستحق الاهتمام ، ولا حتى لان المسؤولين غير جادين في الاصغاء لهذه الاصوات ومتابعة ما تثيره من مشكلات ، ولكن - باختصار - لأن الحالة التي نناقشها ليست جديدة ، ولا غائبة عن «علم» المعنيين ، بل معروفة تماماً ، وأخشى ان تكون - كما قلت في مقال سابقا - قد اصبحت من «عموم البلوى» تلك التي أفرد لها فقهاؤنا اجتهادات خاصة لاخراجها من دائرة تعميم الاحكام.
أمس ، كشف امين عام وزارة التعليم العالي جزءاً من الصورة - وهي مأساوية للأسف - اذ تشهد جامعاتنا الحكومية - كما قال - مأزقاً ماليا وأكاديمياً غير مسبوقين ومن شأنهما تهديد واقع العملية التدريسية وتراجع نوعية الخريجين ، وفي التفاصيل ذكر ان هذه الجامعات تعاني من نقص شديد في اعداد الهيئات التدريسية يصل الى (2000) عضو ، خاصة بعد استقالة نحو (1000) استاذ جامعي بسبب تدني رواتبهم (للعلم استقال نحو %40 ممن يحملون درجة استاذ: بروفسور) ، ويؤكد ذلك ، ما اشارت اليه مصادر من الوزارة نفسها حول وجود خطة لديها تقضي بتوفير نحو (2300) عضو هيئة تدريس على مدى السنوات الخمس القادمة ، هذا - بالطبع - اذا تم الالتزام بالمتوسط المعتمد الذي تصل نسبته الحالية في بعض التخصصات لاستاذ واحد مقابل 32 طالباً.
الحديث عن الخلل الذي تعاني منه جامعاتنا يحتاج الى وقفة طويلة ، ولكنني اريد - هنا - ان اعيد بعضاً من الاسئلة التي سبق لرئيس الوزراء ان طرحها امام النواب - وأقول رئيس الوزراء لا أي شخص آخر متعمداً ذلك - ومنها سؤال حول الخلل في الانفاق المالي ، إذ ان معدل الرسوم الجامعية في مختلف التخصصات بلغ حوالي الف دينار سنوياً للطالب الواحد ، بينما بلغ معدل الانفاق الجامعي في نفس العام حوالي (1834) ديناراً لكل طالب ، والسبب - كما حدده الرئيس - هو كثرة الموظفين الاداريين الذين يجري تعيينهم بلا حساب في الجامعات حيث بلغت نسبة الاداريين الى الاكاديميين 2,8 الى واحد (يوجد في جامعاتنا 4772 عضو هيئة تدريس 18و الف اداري 171و الف طالب التحقوا في الجامعات الرسمية لعام 2008 - 2009).
لا اريد ان اشير الى الدراسة التي قدمتها حركة «ذبحتونا» الطلابية حول الارباح التي حققتها بعض الجامعات (عددها اربعة من مجموع عشر جامعات رسمية) ووصلت الى 38 مليون عام 2007 ، ثم هبطت الى 21 مليون العام الماضي (الغريب ان ادارة الجامعات رفضت التعليق على هذه الارقام) ، كما لا اريد ان أناقش تفاصيل المأزق المالي الذي كشف عنه امين عام الوزارة (كتب الاستاذ فهد الفانك في الزميلة الرأي امس على جزء منه) ، ولكنني أتمنى ان نتوقف طويلاً عند «المأزق الاكاديمي» ، وخاصة فيما يتعلق بهجرة الاساتذة ، وما يجري من تجاوزات في تعيين اعضاء الهيئة التدريسية (أليس من المفارقات ان يكون لدينا آلاف الدكاتره العاطلين عن العمل ، وبعضهم من ذوي الخبرات والكفاءات العالية فيما نشكو من نقص في الكادر التعليمي؟،) ثم ما يتعلق بالبحوث العلمية ، وآليات الترقية ، والمعايير المعتمدة للتعيين في المناصب الادارية ، والاخرى المعتمدة لاختيار الاساتذة الذين يدرسون الماجستير والدكتوراه.. وغير ذلك مما لا يحصى من قضايا «اكاديمية» بحتة.. سبق لامين عام وزارة التعليم - وهو لا يتحدث من فراغ - ان اشار الى انها وصفها «بالازمة» غير المسبوقة التي تهدد واقع العملية الدراسية برمتها فهل بوسع المسؤولين في بلادنا ان يفتحوا هذا الملف بجدية ، وهل سنظل - كما كنا دائماً - ندقّ في الهواء ونشخص ونشكو بلا جدوى.. وبلا قرارات حاسمة تعيد «العافية» لمهاداتنا التعليمية وجامعاتنا الرسمية والخاصة على حد سواء.