وجوه من رمضان .. فُلّة الحديد
سمير عطا الله
01-06-2018 03:28 AM
أصدرت الجامعة الأميركية في بيروت قبل أسابيع كتيباً عن النساء اللواتي مررن في تاريخ الجامعة، طالباتٍ وأساتذة، منذ تأسيسها قبل قرن ونصف قرن. ولا شك بأنها مجموعة من النساء العربيات اللواتي رفعن مستوى الحضور النسوي في المجتمعات وحقول الطب والعلم والأدب. وخطر لي تساؤل ساذج: ماذا لو طُلِبَ من الجامعة أن تختار سيدة واحدة كراية، أو علم لها في دنيا الإنجاز العالمي؟ شخصيا لم أتردد لحظة واحدة في الاختيار. إنها سيدة تقدّمت يوماً للسلام عليها في لندن فردّت بطريقة جافة، غير أن ذلك لم يغيّر، طبعاً، من رأيي بها. ولعله رأي جميع العالم الذي عرفها. فإنّ زها حديد، القادمة من العراق إلى بريطانيا وأميركا مروراً ببيروت، زيّنت الهندسة المعمارية بالمباني المتحفية في كل مكان. معها دخلت الهندسة عصراً جديداً، كما دخل الرسم مع بابلو بيكاسو، والشعر مع تي إس إليوت، وزراعة القلب مع كريستيان برنارد.
وضعت زها حديد المرأة العربية في مربع آخر من مربعات الإبداع والابتكار. فهي ليست مواطنتها نازك الملائكة التي جددت في الأدب، أو المصرية نعمت شفيق التي أصبحت أول سيدة رئيسة لجامعة لندن للاقتصاد. أو سيدة أخرى من اللواتي نجحن في حقول المال والعمل أو المناصب الحكومية. ذهبت زها حديد إلى أبعد من ذلك بكثير لتطوّع الحجر والفولاذ، متحدية جميع القواعد الهندسية المألوفة من قبل. وبالإضافة إلى عبقريتها وموهبتها الفنية كانت سيدة إدارية من الطراز الأول. فعندما غابت مبكراً على نحو مأساوي كانت قد بنت شبكة من الشركات والاستثمارات بلغ حجمها ما يزيد على 250 مليون دولار. فتحت زها حديد أمام المرأة العربية أفقاً مختلفاً عن كل ما سبق. لا الرسم ولا الشعر ولا القانون، أو أيا من الدراسات النظرية، وإنما التحدي الكبير في المهن والفنون التي كانت قصراً على الرجال. وهذا الاقتصار لم يكن فقط في بلادنا، وإنما في بلاد العالم أجمع. فعندما تقدمت، وعندما حصدت من الجوائز الكبرى ما لا يحصى ولا يعد، إنما تقدمت على نساء العالم وليس على نسائنا، وبهذه الصفة أيضاً، أعطتها الملكة إليزابيث الوشاح الأعلى في التكريم الذي كان قد أُعطِي من قبل فقط للدكتور مجدي يعقوب.
لمن يحق المفاخرة بانتماء زها حديد إليه، العراق حيث ولدت، أم الجامعة الأميركية حيث درست الرياضيات، أم بريطانيا حيث أكملت علومها وحققت النجاح المذهل؟ الأرجح أن لكل فريقٍ حصته في صنع تلك الموهبة الخارقة، لكنها سوف تعرف بهوية واحدة هي العراق.
إلى اللقاء.
الشرق الأوسط