مشاهدة حيّة لإضراب 30 أيار 2018
محمد قبيلات
30-05-2018 10:00 PM
في الطريق إلى الشميساني، للمشاركة في وقفة الإضراب المعلن ضد مشروع قانون ضريبة الدخل، الذي دعت إليه النقابات المهنية، لاحظتُ أن الكثير من العاملين في الشركات اصطفوا على الأرصفة أمام شركاتهم، رافعين لافتات كتبت عليها شعارات تندد بقرار الحكومة رفع ضريبة الدخل، وكانت أعدادهم تتراوح بين أقل من عشرة أفراد وعشرات الأفراد، حسب حجم الشركة.
الملحوظة الثانية، أن الكثير من السيارات، المتجهة إلى الشميساني، كانت ترفع الأعلام والملصقات التي تظهر مشاركتها في الإضراب عن العمل.
كان من اللافت أن الوجوه توشحت بفرحة ما، وهذا يترك انطباعا فوريا بعكس ما تعوّد الأردني أن يُظهِرَ لمراقبيه بمثل هذه المناسبات، فالكشرة، العلامة المسجلة لطلة الأردني، اختفت تماما اليوم، وحلّت الابتسامة المستبشرة بالنصر محلها، أو لعلها فرحة الكثير من الأردنين بالمشاركة بالأفعال وليس فقط بالأقوال، والانضمام إلى فعالية مطلبية وسط جو من الاطمئنان بأنها لن تُقمَع أو تُتَخذ ضد المشاركين بها أية إجراءات، برغم ما تسرب ليلة الأمس، ونفته الحكومة على الفور، من عقوبات للمشاركين بالإضراب، وكذلك تلك الإشاعة عن صدور فتوى تحرّم الإضراب عن العمل، والتي تم نفيها أيضا، أو لعل مرد ذلك كله الشعور بالحصانة المستمدة من قوة الزخم الجماهيري المندفعة ضد قرارات الحكومة.
كذلك يضاف عامل مهم إلى العوامل المحتملة كمسببة للفرح الذي توشحت به وجوه الأردنيين اليوم، أن معظم المشاركين من أعضاء النقابات الجدد، من الشباب، غير المسيّسين، والذين حضروا من أجل غاية محددة؛ إسقاط قانون الضريبة الجديد.
عند وصولي إلى الشميساني، وتحديدا الشارع الذي يقع عليه مجمع النقابات المهنية، كانت أعداد كبيرة من المعتصمين يسيرون على الأرصفة وفي عرض الطريق باتجاه المجمع، كان واضحا أن الحشود بدأت تتجمهر في الشارع المار من أمام بوابة المجمع الرئيسية، ما تطلب مني الترجل من السيارة والالتحاق بالاعتصام.
أول ما تلاحظ عند وصولك المجمع، أن الوجوه غير الوجوه التي تعودتها تحضر فعاليات النقابات، أولا: من حيث العمر، فكلهم من فئة الشباب. وثانيا: من حيث المطالب والشعارات والهتافات، فجميعها شعارات مطلبية، بل ورافضة للخطابات، فسمعت أكثر من مجموعة تهتف: "ما جينا تنسمع خطابات" ما أربك النقباء الذين اعتلوا المنصة وتجهزوا لإلقاء الكلمات. ثالثا: كان واضحا اختفاء الجمهور الإسلامي، فليس من لحى أو منقبات في الساحات، بل جميعهم شباب ومن اللافت أن نسبة الشابات كانت تبلغ نحو نصف الجمهور، وأغلبهن غير محجبات.
لعل هذا يعكس حالة الفصل في النقابات، خاصة نقابة المهندسين، التي فازت بها كتلة نمو بقيادة المهندس أحمد سمارة، الذي كان حضوره لافتا على المنصة، أقول بالنسبة لحالة الفصل؛ أن الجمهور الذي يشارك في الفعاليات تأريخيا في مجمع النقابات هو جمهور الكتلة الفائزة، لذلك ربما لاحظنا اليوم كثافة مشاركة التيارات المدنية والأحزاب اليسارية والقومية والمستقلين واختفاء الجمهور الإسلامي.
برغم تململ الجمهور من الكلمات، وهذا ما استفز نقيب الأطباء أثناء كلمته، إلّا أن السادة النقباء أصرّوا على إلقاء خطاباتهم المجهزة سلفا، وكانت على الأغلب تعكس عدم الخبرة في هذه المرحلة الجديدة من النضال المطلبي، الذي يفرض على النقابات تجديد خطابها بما يتوافق والمطالب المحددة، التي بالضرورة يجب أن تكون واقعية ومنسجمة مع المصلحة الوطنية.
تجلى ذلك بمهاجمة بعض النقباء لصفقة القرن، والحديث عن قضايا إقليمية وسياسية غير ذات صلة بموضوع الفعالية، لكن الهتافات واتجاهات حماسة الجمهور أعادت الكلمات، غير مرة، إلى النصاب الصحيح.
الحضور كان عددهم جيدا، عدة آلاف، والكلمات والشعارات والهتافات طالت سقوفا تجاوزت المطالبة بإلغاء مشروع القانون إلى المطالبة بإسقاط الحكومة ومجلس النواب، بل إن مجلس النقباء قرر في نهاية الإضراب تهديد مجلس الوزراء ورئيسه، بحيث إن لم يتم التراجع عن القرار وسحب مشروع القانون، فإن الأربعاء المقبل سيكون موعدا لإضراب عام غايته إسقاط الحكومة.