عزلة اسرائيل هل تستوعب دروس المنطقة؟
د. محمد القضاة
30-05-2018 02:33 AM
من يتابع ما تقارفه سلطات الاحتلال في فلسطين والقدس، وما تمارسه يوميا ضد الشعب الفلسطيني الاعزل يدرك انها أفلست في الدفاع عن احتلالها، وغدت مكروهة لدرجة غير مسبوقة على المستويين الداخلي والخارجي، ومن يقرأ ما يكتبه كُتَّابها في الصحف العبرية يعرف حجم الغضب الذي يعيشه اليهودي في الارض المحتله، وهم غير فرحين بنقل السفارة الاميركية الى القدس، وغير سعداء لحجم الاستهانة الذي تقوم به حكومتهم من إجراءات أُحادية في عموم فلسطين، وتعالوا لنقرأ تلك الأثار في كتاباتهم وما يكتب عنها في الصحافة العالمية كي نرى انهم يسيرون الى عزلة وطريق مجهول.
وحكمة التاريخ تقول إن الدول تصل الذروة وتبدأ بالانهيار بفعل سياساتها الخرقاء وعدم احترامها لابسط قواعد العمل الإنساني، والقرآن الكريم يؤكد ذلك بقوله عزوجل:»وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا * فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا»، وهناك العديد من الكتاب اليهود منهم الكاتب جدعون ليفي يعترف ان كل التعنت الاسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني يفشل في إدامة الاستقرار، ويكتب الكاتب الاسرائيلي آري شبيط مقالة يطالب فيها دولته اسرائيل ان تدرك الحقائق على الارض، ويرى حسب ما نُشر أن الكتابة في هآرتس بلا طعم، وان العيش ـ حسب رأيه ـ في اسرائيل اصبح لا يُطاق، وانه حان وقت السفر بلا عودة.
إنّ المتأمل في هذا الكلام يدرك حجم الفجوة بين القيادة الاسرائيلية وشعبها، ومدى الاحتقان الذي وصل اليه الشارع الاسرائيلي داخلياً؛ خاصةً انه لا يرى بارقة أمل للسلام، وان هناك فرصا كثيرة للسلام ضاعت بسبب تعنت الحكومات الإسرائيلية، وهو ما يدفع الكثيرين من الاسرائيليين التعبير عن سخطهم، يقول:»الإسرائيليون منذ أن جاءوا إلى فلسطين، يدركون أنهم حصيلة كذبة ابتدعتها الحركة الصهيونية، استخدمت خلالها كل المكر في الشخصية اليهودية عبر التاريخ...» ، حين جاءوا الى الارض الموعودة كانوا يزينون لهم انهم سينعمون بالسلام وبجنات موعودة؛ غير انهم ادركوا حجم الاكاذيب واكتشفوا ان لهذه الارض شعباً متجذراً يقاتل حتى الموت ويستبسل في الدفاع عن كرامته وعرضه وأرضه، ولنقرأ عينات من كتاباتهم عن ذلك:»أننا نواجه أصعب شعب عرفه التاريخ، ولا حل معهم سوى الاعتراف بحقوقهم وإنهاء الاحتلال».
هذه حقائق على الارض ولعل اكبر مأساة تواجه الدولة العبرية معضلة غزة ومواقفها البطولية في الدفاع عن فلسطين وعن حق العودة، وهو ما يرعب الكيان الصهيوني الذي يتفوق بالسلاح والتقانة والمال؛ لكنه يعيش رعباً مسكوناً بالخوف من المجهول، وحجم الاكاذيب الصهيونية حول حكايات الهيكل المزعوم هي نتيجة هذيان تاريخي حاولت زرعه تلك الحكايات في كتب التاريخ، ونحن نعرف حجم التزوير والاكاذيب التي كان يمارسها المزورون، ولنقرأ كتاباتهم: «أكد علماء آثار غربيون ويهود، من أشهرهم «إسرائيل فلنتشتاين» من جامعة تل أبيب، أن الهيكل أيضاً كذبة وقصة خرافية ليس لها وجود...وهو ما اكدته عالمة الآثار البريطانية الدكتورة «كاتلين كابينوس» بعدم وجود أي آثار لهيكل سليمان»، ونتيجة هذا الراي تعرضت للطرد من قبل سلطات الاحتلال عام 1968 بسبب هذا الموقف العلمي الذي يؤكد انه لا وجود للهيكل المزعوم الا في هذيانهم.
كتاباتهم تدينهم، وتؤكد ان ما يقارفونه عنجهية غير مسبوقة في التاريخ الحديث، وما قصة نقل السفارة والرغبة الجامحة بإثارة المشهد الأن بسبب حالة النظام العربي وتشرذمه وبسبب الأوضاع العربية المؤلمة، كل هذا يشجع الحكومة الإسرائيلية على التمادي بحق الارض والبشر، واسرائيل لم تتعلم دروس المنطقة ولم تقرأ التاريخ بعناية وتتصرف بعنجهية وصلف غير مسبوقين، ولم تدرك حقائق التاريخ كما جاءت في القرآن الكريم، ولذلك بدأت بعض النخب الإسرائيلية والدينية تدرك خطورة الأقدام على طمس معالم المدينة المقدسة والاستيلاء عليها بهذه الطريقة المهينة التي تعكس حجم ما لديهم من حقد تجاه الأقصى والقدس الشريف، ولذلك يدرك كتابهم وبعض متدينيهم ان حكومتهم تقودهم الى حتفهم، وبالتالي تتعالى الأصوات لديهم للاعتراف بحق الشعب الفلسطيني، «وهذا ما دفع الكاتب شاليط بوضع إصبعه على الجرح، بل في عين نتنياهو وليبرمان والنازيين الجدد، ليوقظهم من هذيانهم الصهيوني، بقوله: القوة الوحيدة في العالم القادرة على إنقاذ إسرائيل من نفسها، هم الإسرائيليون أنفسهم، وذلك بابتداع لغة سياسية جديدة، تعترف بالواقع، وبأن الفلسطينيين متجذرون في هذه الأرض».
وبعد، لن تستطيع كل المغريات المالية وكل عنجهيات القوة وكل الدعم الاميركي وكل ما له علاقة بصفقة القرن ان تقنع الفلسطيني بغير ارضه ووطنه وكرامته، وإسرائيل تدرك انها تعيش في محيط عربي ملتهب، وممارساتها اليومية تثير معظم دول العالم، وأكاذيبها لا تنطلي على احد، وما حادثة نقل السفارة الاميركية الى القدس واعتداءاتها المتكررة على الفلسطينيين العزل الا جرس إنذار من ان عزلتها تتسع، وأن دكتاتوريتها الديمقراطية لا تنفع في محيط ملتهب يكره سياساتها وعجرفة حكومتها، وما يلمسه من يتابع سياسة نتنياهو أنه لا يختلف عن الدكتاتوريات العربية التي ثارت عليها شعوبها فلم يتعلم الدرس بعد! وليس أمام اسرائيل غير الاعتراف بالأمر الواقع، والعودة الى الطريق الثالث من أجل احلال السلام ومنح الشعب الفلسطيني حقوقه الكاملة، وهذا ما يضمن لها البقاء والامان، ولتقرأ عبر التاريخ بإمعان كي تعرف ان القوة الى زوال، وان دولاً سادت ثم بادت، ولن تنفعها صفقة توقعها مع نفسها لاحلال السلام؛ لأن المعنيين بالسلام وأصحاب الولاية على المقدسات هم الهاشميون وليس لأسرائيل اي صفة عليها، ومهما
حاولت طمس معالم المدينة المقدسة ومهما نقلت اليها من سفارات فانه لن يغير واقع ان القدس محتلة، ولم تقرأ البارحة وجود ربع مليون مصل في المسجد الاقصى وباحاته في صلاة الجمعة، عليها أن تتعض وتقرأ الدروس وتتعلم أن لا سلام من غير تنازلات موجعة تعيد الحق لاصحابه، فهل تعي حكومة الاحتلال حقائق التاريخ والواقع وتعترف بهما؟
الرأي