ما فعله أردوغان في دافوس ونجاد في ديربان يعيد الصراع إلى مربعه الأول
∎ بعض العرب تجاوزوا مرحلة خذلان فلسطين إلى مرحلة التآمر عليها وذبح مقاومتها
∎ الانسحاب الغربي من مؤتمر ديربان كان مبيتاً وشعارات الغرب عن الحرية أكذوبة
∎ مؤتمر مناهضة العنصرية كان عنصرياً بامتياز وكشف زيف الإدعاءات الغربية
مرة أخرى ينتصر المسلمون لفلسطين وقضيتها. ويعيدونها إلى واجهة الصدارة في نفس اللحظة التي يتخلى فيها العرب عن فلسطين وقضيتها. فبعد هبّة رئيس وزراء تركيا، طيب رجب أردوغان، بوجه رئيس كيان العدو الإسرائيلي، شمعون بيريس وأكاذيبه، في مؤتمر دافوس. ها هو الرئيس الإيراني محمد أحمدي نجاد ينتفض في مؤتمر الأمم المتحدة لمناهضة العنصرية الذي عقد في جنيف وعرف باسم ديربان 2 ، انتصاراً لفلسطين وقضيتها. فاضحاً الطبيعة العنصرية للاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.
هاتان الواقعتان تؤكدان ما قد سبق وأن كتبت عنه، قبل سنوات طويلة، تحت عنوان المسلمون قادمون. يومها هز الكثيرون أكتافهم سخرية مما قلته حول تصدي الإسلاميين على وجه الخصوص. والمسلمين على وجه العموم للمشروع الصهيوني، باعتباره النقيض الحضاري للإسلام والمسلمين. والمعتدي على مقدساتهم والمحتل لأرضهم. وها هي الأيام تثبت صدق ما قلت، فالإسلاميون المنخرطون في الأطر الحركية الإسلامية، هم الذين يقودون المقاومة المسلحة ضد الغزاة في فلسطين، والعراق، ولبنان، وأفغانستان، وحيثما تواجد محتل على أرض الأمة. والجماهير الإسلامية هي التي تنتفض انتصاراً لفلسطين وأهلها. ولن تغيب عن أذهاننا وأسماعنا هتافات الجماهير في تركيا، وإيران، واندونيسيا وغيرها من بلاد المسلمين انتصاراً لأبناء فلسطين، ودعوة لفتح أبواب الجهاد في سبيلها إبّان العدوان على غزة وقبلها في حرب تموز 2006.
ومثل الحركات الإسلامية التي تقود المقاومة المسلحة ضد الغزاة، فإن الحكومات ذات المرجعية الإسلامية، هي التي تقود الجهاد السياسي ضد هؤلاء الغزاة. ودليل ذلك هبّة أردوغان في وجه بيرس، ومجمل المواقف التركية لحكومة العدالة والتنمية في تركيا المؤيدة لفلسطين وقضيتها العادلة. وكذلك صرخة محمد أحمد نجاد ضد العنصرية الإسرائيلية في أكبر تجمع مناهض للعنصرية في العالم . وهذه الصرخة ليست حدثاً عارضاً، لكنها جزء من إستراتيجية إيران المسلمة. فمنذ انتصار ثورتها الإسلامية عام 1979، وإيران منغمسة في قضية فلسطين، ونصرة أهلها أداءً منها لواجبها الشرعي، نحو أولى القبلتين، وثالث الحرمين ولأرض إسلامية محتلة، صار الجهاد في سبيل تحريرها فرض عين على كل مسلم ومسلمة. و أداء الفرض كما سبق وأن قلنا، لا يحتاج إلى إذن، ولذلك فإن ما يفعله الإيرانيون والأتراك هو أمر طبيعي ينسجم مع الفهم الإسلامي، كما أنه يعيد الصراع في فلسطين إلى مربعه الأول. صراع بين عقيدتين وحضارتين، لا بد لأحدهما من أن ينتصر وللآخر، من أن يزول ، لذلك فإننا نتوقع مزيداً من انخراط المسلمين، كل المسلمين في الصراع الدائر في فلسطين وحولها. فتحرير القدس واجب شرعي، يفرضه الإسلام على كل أتباعه، الذين صار الكثيرون منهم يتململون لأداء هذا الواجب.
ان انتصار المسلمين لفلسطين يجري رغم تخاذل العرب وخذلانهم لفلسطين وأهلها ليس حدثا عارضاَ أو جديداً، فقد علمنا التاريخ أنه ما من مرة تخلى فيها العرب عن حماية فلسطين وأخلوا مقعد القيادة. إلا وتقدم المسلمون من غير العرب لتحرير القدس وملئ فراغ القيادة. وهو ما يحدث الآن وبعض العرب يتجاوزون مرحلة خذلان فلسطين، وأهلها إلى مرحلة التآمر عليها وذبح مقاومتها. ولعل ما حدث في العدوان على غزة خير برهان على ما نقول. فقد شدد بعض العرب الحصار على غزة، وحرضوا إسرائيل على الاستمرار في عدوانها لعّلها تأتيهم برأس المقاومة في غزة، بعد أن عجزت عن فعل ذلك في لبنان. ولما عجزت إسرائيل مرة أخرى عن إحضار رأس المقاومة، صار هَمُّ بعض العرب دفع الأذى عن إسرائيل عبر محاولة خلق عدو بديل عنها بالنسبة لبعض الأنظمة العربية، فسددت هذه الأنظمة سهامها ضد إيران. فكثر الحديث عن الأطماع الإيرانية في المنطقة. وارتفع منسوب التحريض المذهبي، على أمل إغراق المنطقة في حرب مذهبية، تريح إسرائيل من تنامي تهديد المقاومة الإسلامية لوجودها. ولم يكن الحال بالنسبة لتركيا أفضل، فقد صار بعض الإعلام العربي الدائر في فلك تلك الأنظمة التي تغذي نيران العنف المذهبي، بحثاً عن عدو بديل لإسرائيل، صار هذا الإعلام يتحدث عن سعي تركيا لاستعادة دورها في المنطقة العربية. مذكراً بممارسات الطورانيين الأتراك. تلك الممارسات التي أدت إلى تمزيق الدولة العثمانية. لكن ذلك كله لن يوقف حركة التاريخ. التي تؤكد عودة المسلمين إلى ساحة الفعل الحضاري مرة أخرى وإلى سعيهم لتحرير مقدساتها، وفي طليعتها القدس، التي تتعرض الآن لأبشع الممارسات العنصرية عبر التضييق على سكانها العرب. ومع ذلك يرفض الغربيون وصف إسرائيل بالعنصرية. وينسحبون من مؤتمر الأمم المتحدة لمناهضة العنصرية احتجاجاً على كلمة الرئيس الإيراني التي عرّى فيها الحقيقة العنصرية للكيان الإسرائيلي.
والانسحاب الأوروبي من مؤتمر ديربان 2 لم يكن وليد الصدفة. بل لقد كان معداً بصورة مسبقة من قبل الحركة الصهيونية وأتباعها. فقد نقلت وكالات الأنباء عن مسؤول بالأمم المتحدة قوله: بأن منظمتين أوروبيتين للطلبة اليهود، هما تحديداً من أثارت الفوضى خلال المؤتمر. وأضاف أن هناك منظمتين غير حكوميتين كانتا الأكثر إثارة للفوضى وهما: اتحاد الطلبة اليهود في فرنسا. والاتحاد الأوروبي للطلبة اليهود. فقد شاركت هاتان المنظمتان بثلاثماية وسبعين مندوباً من أصل ألف وثلاثة وسبعين مندوباً يمثلون ثلاثماية وأربع عشرة منظمة حكومية مشاركة في المؤتمر. أي أن هاتين المنظمتين نالتا أكثر من ثلث مندوبي المنظمات غير حكومية المشاركة في المؤتمر. وقد كانت مهمة مندوبي هاتين المنظمتين مقاطعة الرئيس الإيراني. حيث ذكر بعض مندوبيها ان الهدف من إرسالهم إلى المؤتمر كان إثارة الفوضى فقط. ومع ذلك فإن أحداً لم يصف هذه التصرفات بالعنصرية. وهو ليس بالأمر المستغرب على الانحياز الغربي الأعمى لإسرائيل. والذي كانت الممارسات الغربية قبل وأثناء مؤتمر الأمم المتحدة لمناهضة العنصرية من أهم تجلياته. فقبل المؤتمر أعلنت كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل واستراليا وكندا عن مقاطعتها للمؤتمر. وهذا أمر غير مستغرب من دول قامت أساساً على ممارسات عنصرية بغيضة ضد سكان البلاد الأصليين من عرب وهنود حمر واستراليين وكنديين.
وقبل المؤتمر أيضاً اشترطت الدول الغربية تفريغ البيان الختامي من أي إشارة لعنصرية إسرائيل. في أكبر ممارسة عنصرية لمصادرة حرية الرأي، وحق النقاش. بل لقد ذهبت هذه الدول لما هو أبعد من ذلك عندما أصرت على قراءة البيان الختامي وإقراره في افتتاح المؤتمر وليس في الجلسة الختامية كما جرت العادة. وذلك خوفاً من أن تؤثر مناقشات المؤتمر على صياغة البيان فيتم تعديله لإدانة إسرائيل.
أما الممارسات العنصرية داخل المؤتمر، فيكفي منها الانسحاب الغربي المنظم والمبيت عندما باشر الرئيس الإيراني بإلقاء كلمته. فالعنصرية الغربية ترفض حتى مجرد الاستماع إلى وجهة النظر الأخرى. فإذا عرفنا أن المنسحبين من القاعة أثناء إلقاء نجاد لكلمته لم يكتفوا بذلك، بل رددوا الكثير من الكلمات البذيئة بحق الرئيس الإيراني. وهي ممارسة وكلمات تدل على عنصرية بغيضة منها نكتشف من هو العنصري الحقيقي. ولكن هذه البذاءة العنصرية غير مستغربة من إقدام أقوام يدافعون عن الرسوم المسيئة لرسول الله عليه الصلاة والسلام ويمنعون المسلمات الأوروبيات من لبس الحجاب. في أبشع ممارسة عنصرية حتى ضد الأديان وعباداتها وتعاليمها التي تستبيحها العنصرية الغربية، التي رفضت أثناء مؤتمر مناهضة العنصرية أي صيغة تندد بكراهية الأديان بحجة حرية الرأي والتعبير. في الوقت الذي تمنع فيه هذه العنصرية مجرد إخضاع أكذوبة المحرقة اليهودية للنقاش العلمي الجاد. حيث تمت مطاردة كبار المفكرين الأوروبيين الذين حاولوا الاقتراب من أكذوبة المحرقة لفحصها بموازين العقل والمنطق والأدلة والبراهين. فأين هي حرية الرأي التي يتغنى بها الغربيون؟ أم أن كل شيء يتعطل إذا كان الهدف منه الإساءة للإسلام والمسلمين. أو ادانة إسرائيل وممارساتها؟ رغم أن هذه الممارسات تنضح بالعنصرية والإجرام. وما حدث في غزة مطلع هذا العام من جرائم إسرائيلية ما زال ماثلاً في أذهان البشرية. بل لقد ذكرت صحيفة الجروزليم بوست الإسرائيلية، ان ممارسات إسرائيل العنصرية ضد العرب في الأراضي المحتلة تزايدت أثناء انعقاد مؤتمر ديربان 2 ومع ذلك فإن أحداً لم ينبس ببنت شفة لإدانة هذه الممارسات التي تقوم بها إسرائيل، قوة الاحتلال الوحيدة الباقية في العالم حتى يوم الناس هذا.
صحيح ان مؤتمر ديربان 2 قد انعقد بهدف مناهضة العنصرية، لكنه كان مؤتمراً عنصرياً بكل المقاييس. كشف ضيق صدر دعاة الحرية والليبراليين. ورفضهم للرأي المخالف. وكشف حجم الانحياز الغربي لإسرائيل. التي قامت تجسيداً لفكرة عنصرية هي الحركة الصهيونية. التي سبق وان اعتبرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة حركة عنصرية في قرار يدين أسس الفكرة الصهيونية التي قامت عليها إسرائيل، التي أطلق الغرب يدها في ارتكاب المجازر. وظل يدافع عن عنصريتها. ويحصن أكاذيبها. وليس هذا بالأمر المستغرب من المجتمعات الغربية التي قامت فلسفتها تاريخياً على أساس التحيز الطبقي والعنصري. وتقسيم العالم إلى فئات حسب الانتماء السياسي أو العرقي أو الاقتصادي. وهي الفلسفة التي لا نستغرب في ظلها مقاطعة رئيس اسود هو أوباما لمؤتمر مناهضة العنصرية متناسياً معاناة أجداده السود جراء هذه العنصرية. تماماً مثل تناسي وعوده بالانسحاب من العراق.
باختصار لقد فضح مؤتمر مناهضة العنصرية ديربان 2 العنصرية الغربية. وكشف أكذوبة القيم الغربية عن الحرية. وعن الرأي الآخر. وإذا بها كلها مجرد شعارات وأدوات للتدخل في الشؤون الداخلية لشعوب العالم المستضعفة والتي بدأت تتململ لمواجهة العنجهية الغربية وعنصريتها التي فضحها نجاد مثلما تصدى لها أردوغان في إطار حركة التاريخ التي تؤكد بان المسلمين قادمون .
اللواء.