الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية لازمة ضريبة الدخل
عمر الرداد
29-05-2018 07:38 PM
تتصاعد اتجاهات ردود الفعل التي يقودها مجلس النقابات المهنية ضد قرارات الحكومة المتضمنة تعديلات واسعة على ضريبة الدخل ،كما ونوعا، من حيث الزيادات المالية المترتبة على المكلفين، وشمولها قطاعات أوسع مما يعرف بالطبقة الوسطى ،باتجاه تقليص حجم هذه الطبقة وانتقال قسم كبير منها الى الطبقات الفقيرة، بالإضافة لجوانب متعلقة بكون مشروع الضريبة الجديد سيكون ابرز عوامل طرد الاستثمار المحلي والخارجي في الأردن ، وعلى هامش حراك الحكومة والقوى التي تقود الحراكات المضادة لإنفاذ مشروع الضريبة الجديد، يمكن تسجيل الملاحظات التالية :
أولا: هناك إصرار من الحكومة على المضي في مشروع ضريبة الدخل، ارتباطا بانعدام الخيارات الأخرى،وهناك مشروعية في زيادة الضريبة وإعادة جدولتها ،من وجهة نظر الحكومة في ظل :تهرب ضريبي واسع، خاصة من قبل ذوي الدخول الأعلى،وانه يأتي تنفيذا للاعتماد على الذات ، وانه ياتي لمعالجة خلل مزمن في الضريبة تتحمله أيضا الحكومات السابقة ، وانه اخذ بعين الاعتبار الطبقات الاجتماعية بما يحول دون ارتدادات اجتماعية غير محمودة ،وان ضريبة الدخل في كثير من الدول تصل إلى (40%) وربما تتجاوز هذه النسبة، وان الحكومة تدرك ان قرارها غير شعبي ، وإنها لا تبحث عن شعبية زائفة
ثانيا:القوى التي تعترض على المشروع تتمثل في :شخصيات اقتصادية وازنة من بينها رؤساء وزارات سابقين، تعتقد أن المشروع سيشكل ضربة ليس للاستثمار الأجنبي المتوقع ،وإنما للاستثمار المحلي ،واحتمالات هروب استثمارات قائمة،إضافة لعدد من القانونيين الذين يرون أن في المشروع شبهة مخالفة دستورية، فيما تربط جهات عديدة بين المشروع ومطالبات واشتراطات صندوق النقد الدولي، ،ويتصدر مجلس النقباء المهنيين، قيادة الدعوة للإضراب المزمع تنفيذه، وعزز موقفه ،بانضمام نقابات عمالية تمثل قطاعات مختلفة صناعية وزراعية وتجارية ،غير ممثلة بالنقابات المهنية.
ويلفت النظر على هذا الصعيد غياب القوى الحزبية ،وخاصة الصيغة القائمة تاريخيا بين اليسار واليمين في قيادة المشهد والحراكات الاحتجاجية،اذ لا يستطيع اي طرف الادعاء اليوم بأنه يقود هذا الحراك، وتبرز هنا أهمية ملاحظة موقف جماعة الإخوان المسلمين الذي يبدو انه يحاول اللحاق بالإضراب، رغم الليونة في مواقفه عموما،ويبدو اننا اليوم أمام مشهد جديد في العمل العام ،بدا بنقابة المعلمين ثم المهندسين ،عنوانه غياب القوى التقليدية لصالح قوى صاعدة ،ذات برامج اجتماعية واقتصادية وقضايا مطلبيه، تغيب فيها المحددات الايدولوجية والهوياتية ، دون ان ينفي ذلك أن فاعلية مجلس النقباء الحالية مرتبطة بأسباب تتعلق بكون المشروع الجديد يمس شرائح واسعة من المهنيين الذين يشكلون العمود الفقري للطبقة الوسطى،بعد غياب المجلس لعقود عن العمل العام،لصالح قوى تقليدية حزبية وفي مجلس النواب.
ثالثا:يأتي مشروع القرار متزامنا مع رأي عام ،أسهمت القرارات الاقتصادية المتعاقبة ،ليس لهذه الحكومة وإنما لكافة الحكومات بانحدار مؤشرات الثقة بتلك القرارات ،خاصة وإنها ترتكز على "الجباية" دون تقديم خدمات موازية لحجم الضرائب ،في الوقت الذي تطرح فيه وعلى نطاق واسع تساؤلات حول الفساد الذي أصبح شبحا ، ومدى جدية الحكومات في مكافحته، إضافة للضخ الإعلامي خلال مؤتمرات اقتصادية محلية وإقليمية ،عبر السنوات الأخيرة ،حول مشاريع اقتصادية ضخمة، تقدر بالمليارات لكنها لم تر النور، ، لذا فان حالة الاعتراض على المشروع مرتبطة بعوامل الثقة بالحكومات ،تلك العوامل أهم المعايير في الموقف العام منه، مع إدراك عميق من هذا الرأي العام بمجمله بان الضريبة واجبة وطنيا ، ومعمول بها في كل دول العالم .
رابعا: بصرف النظر عن الإضراب المزمع وحدود التفاعل معه من قبل قطاعات معنية وغير معنية ، رغم تداعياته السلبية ،إلا أن الرهانات على الخروج من مأزق المشروع تأتي تحت عنوانين، الأول: تنازلات حكومية لمجلس النواب ، الذي لا يحتمل في إطار شعبيته ،بعد تمريره لكافة القرارات الاقتصادية غير الشعبية السابقة ،تمرير القانون كما ورد من الحكومة، وفتح حوارات من قبل المجلس مع مجلس النقباء حول أية تعديلات مقترحة ،والثاني: رهانات بتدخل جلالة الملك برد المشروع، او الطلب بإجراء مراجعة جديدة، تقلل من حجم الاعتراض عليه .