عشية الإضراب .. لنقرأ رسالة الملك في "البشير"
خولة العرموطي
29-05-2018 07:38 PM
قد لا يوجد مكانٌ في المملكة كلّها زاره جلالة الملك بشكلٍ مفاجئ قدرما زار مستشفى البشير، ورغم ذلك لا يزال الوضع بالمستشفى "يرثى له" في كثير من الأقسام، ولا زلنا يومياً نسمع ونرى الشكاوى المتزايدة على خدمات المستشفى والاكتظاظ وضعف الرعاية أحياناً، وكثيراً على نقص الأدوية والمعدّات فيه، ولا زلنا نراقب التوجه الضخم لتحويل معظم الحالات عليه من مختلف المستشفيات والمراكز الصحية (المتهالكة أكثر منه). ورغم كل ذلك أيضاً، لم يملّ جلالة الملك من تفقّده.
مستشفى البشير ليس حالةً فردية في الأردن، فكثير من مؤسسات الخدمة الصحية تحديدا، ومؤسسات تقديم الخدمة العامة للمواطنين بشكل عام، تعاني من ترهّل وتقاعس وأحياناً فساد في بعض مفاصلها، وهذا بحد ذاته يترك آثاراً كبيرة على المجتمع. ولنكن أدق، فالمؤسسات التي تقدّم الخدمات للفئة الأعسر حالاً، فأظن فسادها واستغلالها وبالتالي أثرها أكبر على الجميع.
لقد عاينت مباشرةً بعض المؤسسات والجمعيات وطرائق تحايلها على القانون حيناً وتقاعسها عن أداء دورها أحياناً أخرى، اثناء خدمتي البسيطة في وزارة التنمية الاجتماعية وقبلها وبعدها، وأدرك تماماً ان الترهل حين "يؤخر" حاجة المَعوز يخلق سلسلة احباطات ويراكم الاحباط على سابقه حتى يصل لحالة إما "يذبل" متلقي الخدمة بعدها، أو ينفجر، وبالحالتين فليس هو الخاسر الوحيد، وانما الوطن كله يخسر طاقةً كان من الممكن استثمارها بصورة إيجابية.
جلالة الملك، ومجموعة صغيرة جداً من المسؤولين، من نراه يتعامل دوماً مع هذه المعادلة ويجنبنا تبعاتها، وهذا ما يفسر أن جلالة "سيدنا" لم يملّ (ولن) من متابعة مؤسسات بعينها كمستشفى البشير ودور الرعاية وغيرها، ونراه يحاول بكل الطرق تجنيب الاردن خطر تلك الطاقة السلبية التي من الممكن ان تؤذي الجميع بأي وقت- لا سمح الله-.
في ذات الوقت، نستطيع أن نراقب أن الزيارات المماثلة لا تحصل من مسؤولين اخرين إلا على سبيل الصدفة أو كنوعٍ من "الفزعة" التي لا تترافق إلا مع الاوقات الحرجة بالغالب، وهذا طبعاً نهجٌ ينبغي العمل على تغييره وبصورة ممأسسة ومنهجية؛ لعدّة أهداف، أهمها "نزع فتيل الاحتقان" الذي يتراكم في الشارع، وهو ليس فقط بسبب السياسات الاقتصادية القاسية جداً وحسب، وإنما أكثر بسبب الطريقة المتعالية التي يتعامل فيها بعض المسؤولين دون أن يضعوا نصب أعينهم الطريقة التي رأينا (ونرى دوماً) فيها جلالته يتعامل مع المواطنين جميعاً.
طبعاً أعلم جيداً أن الموظفين العاديين في معظم مؤسسات تقديم الخدمة هم أيضاً عليهم عبءٌ مهول، وهم بحاجة دعم نفسي ومادي أكبر ليقدموا افضل ما لديهم، وهذه سلسلة ينبغي العمل عليها وبكل المؤسسات، ولا أبالغ إذ أقول ان العمل عليها يجب ان يتم "كاملاً" قبل التفكير الفعلي في زيادة الضرائب على الفئات التي تنفق أصلا معظم دخولها على الخدمات الصحية والنقل وغيرها، بالتوازي مع ضبط التهرب من كبار المؤسسات والشركات والبنوك، لضمان زيادة الثقة مع الشارع.
بعد ساعات فقط ندخل في يومٍ كان يفترض على الحكومة أن تجنّبه للجميع، والإضراب هو حالة من "شلل الخدمات" التي من الممكن أن تؤذي أيضاً المواطنين الاعسر حالاً، ولكن البعض لم يترك للأخيرين خياراً، وباتوا كمن يقول "هكذا او هكذا فالحال سيء".
بالنسبة اليّ، زيارة جلالة الملك تأتي في توقيت مدروسٍ جيّداً، حيث الحكومة تصرّ على المضيّ في قانون ضريبة الدخل الجدلي، دون أي التفات للخدمات التي تطالب الاردنيين بدفع الضرائب مقابلها، بينما يوحي لها جلالته بزيارته باختلال توازن كفتي الخدمات مقابل الضرائب في البلاد، كما يوحي أن مثل هذه الزيارات كان الأردنيون بحاجتها من مسؤولين تنفيذيين، قبل أي قرارات تزيد من أعباء الأردنيين، والامر لا ينحصر في مستشفى البشير طبعا، ولا حتى في القطاع الصحي.