كان ت . ي . لورنس او من يسمى لورنس العرب يقول بانه لم يحسد احدا ذات يوم كما حسد رجلا كان يداعب كلبا باستغراق، ولا يفكر بأي شيء آخر حوله او من خلفه.
ومن المعروف عن لورنس انه كان اضافة الى مغامراته السياسية ذات المنطلق الاستشراقي يعاني من اسئلة وجودية لهذا وضعه كولون ويلسون في كتابه عن اللامنتمي مع عدد من كبار مثقفي اوروبا الذين عانوا من قلق وجودي، وهو كسائر امثاله، يغامر حتى بحياته من اجل مشروعه او المهمة المنوطة به كي يهرب من سؤال اعمق.
لكن الذي اثار حسد لورنس وهو يداعب كلبه باستغراق ليس الوحيد الذي يثير حسد المهمومين، فهناك من تستغرقهم وجبة طعام دسمة ويقضون ساعات في التجشؤ لأنهم من الذين عاشوا ليأكلوا وليسوا من الذين يأكلون ليعيشوا !
وفي واقعنا العربي هذه الايام غير المسبوقة في الشقاء والعدمية وغياب المعنى هناك من يثيرون حسدا بلا نهاية لانهماكهم في شجون صغرى، فأفراحهم غرائزية واحزانهم لا تتخطى اشياء حرموا منها، لكن الحزن الكبير في مكان آخر وفي قلوب اخرى غير هذه التي تخفق ليس حبا في الحياة بل خوفا من الموت، كيف لا تحسد كائنا تنزلق مشاهد الدم عن عينيه وهو يواصل التهام طعامه بشهية، وقد تنزلق عن اذنيه استغاثات ملايين البشر منهم اطفال وعجائز.
هذا الكائن لا يرى ابعد من ظله واحيانا لا يرى حتى انفه، لأن انانيته مجنونة وبلا حدود ولديه اوهام لا آخر لها بحيث يتصور ان الشمس تشرق لأجله فقط، والسماء تمطر لأجله وحده، وان الفقدان والشقاء والموت من نصيب الاخرين، اما هو فاستثناء ومعصوم، لكنه آخر من يعلم بكونه مخدوعا، وما يستحق الحسد عليه هو فقر خياله، الذي لا يتيح له ان يفقد قبل ان يفقد وان يمرض قبل ان يمرض واخيرا ان يموت قبل ان يموت !!
الدستور