الإبداع يا عرب وفقط الإبداع
م. أشرف غسان مقطش
27-05-2018 02:09 PM
قبل عدة أسابيع سجلت هدفين في مرمى الفريق الايطالي روما في الشوط الاول من ذهاب نصف نهائي دوري أبطال اوروبا، ثم صنعت هدفين في الشوط الثاني، وعندما أخرجك الألماني يورجن كلوب المدير الفني لفريقك الانجليزي ليفربول في الربع ساعة الأخير من عمر المباراة لسبب ما أو آخر أو لغاية في نفس يعقوب، تاه زملاؤك، ضاعوا، تشردوا! تشتتت أذهانهم فردا فردا، واجتاحت صدورهم فيضانات الأسئلة بلا رحمة، بلا رأفة، بلا رقة: لمن نمرر الكرة؟ من يصنع لنا الفرص؟ من يفرغ لنا مساحة لنلعب؟ لنسجل؟ ماذا نفعل؟ من أين نبدأ الهجمة؟ وعند من ننهيها؟
التقط اللبيب منهم الاشارة وعرف من أين تؤكل الكتف، فوضع الخطة لهم ونفذوها بكل ما تيسر لديهم من دهاء ومكر: طرحوك أرضا بطبعهم السادي! عرقلوك غدرا بخلقهم الدني! أصابوك من الخلف كعادتهم؛ كيف لا وقد رأوك "حنظلة" تدك حصونهم بقذائف قدميك!
محمد صلاح! لا تستسلم! قم من فراشك وامضي قدما بكل ما لديك من إقدام! لا تتردد هنيهة بعد اليوم في استغلال كل ما عندك من موهبة! لا تتوانى لحظة في تسخير كل ما فيك من طاقة لمقاومة الاصابة! ولا تسمح لكابوس الابتعاد عن الملاعب بتبديد قدراتك! لا تفكر بمن غدر بك ولا بمن يشمت بك، فقط فكر بكل لحظة تعيشها بعد اليوم!
وتذكر أن الانجليز قالوا لك جهرا علنا قبل تلك المباراة بأيام: أنت الأفضل، أنت الأروع، بلا منازع، بلا منافس! وكانوا محقين فيما قالوا؛ كيف لا وأنت الذي يعزف لهم أجمل سمفونيات الكرة هناك داخل المستطيلات الخضراء أينما وطئت قدماك؟!
كيف لا وأنت تسحرهم بسحرك الفرعوني؟ كيف لا وأنت ترسم لهم لوحات الإبداع بريشتك العربية؟
وتذكر، لم يقولوا: أنت مسلم بل قالوا: أنت موهوب، ولم يقولوا: أنت عربي بل قالوا أنت بارع، ولم يقولوا: أنت تسجد في الملعب بل قالوا: أنت تبدع في الملعب، ولم يكترثوا للحيتك بل اهتموا ليسراك: قدمك الذهبية؛ فتوجوك أفضل لاعب في كل إنجلترا، وضعوا التاج على رأسك وقالوا لك: "انت وبس"!
ورغم أن البعض من بني قومك اتهمك بأنك محظوظ، وهي تهمة الفاشل للناجح، وتهمة الحاسد للمحسود، وتهمة المقلد للمبدع، وتهمة المتخلف للمتقدم، وتهمة الثعلب للعنب، وتهمة الصحراء للأرض المزروعة، إلا أنك أعطيت للإبداع معنى عربيا خالصا نقيا، علمتهم درسا جديدا في فنون الكرة، لمست قلب كل عاشق للكرة المستديرة بلمساتك الساحرة وخطاك الرشيقة؛ والكرة تأبى فراق قدميك، كأنك الحنين المنشود لها، كأنك الحنان المفقود عندها، كأنك الرقة الضائعة من لدنها! تأبى الكرة مفارقة قدميك، وتأبى جماهير ليفربول أن تفارقها!
الابداع يا عرب وفقط الابداع جعل عقارب ساعة بيغ بن تخشى لدغات محمد صلاح. الابداع يا عرب وفقط الابداع جعل نهر التايمز في لندن يتلمس لمسات محمد صلاح. الإبداع يا عرب وفقط الإبداع يقشع الضباب عن عاصمة الضباب ويصنع من رذاذ المطر هناك أجمل قوس قزح!
وما احوجنا نحن العرب الى الابداع في هذا الزمن الرديء؟!
ويا داخل مصر هناك ألف مثلك، ويا محمد صلاح هيهات شعري: أمن ألف عربي مثلك بخلقك الرفيع؟ أمن ألف عربي مثلك بتواضعك الوديع؟ أمن ألف عربي مثلك بفنك الكروي البديع؟ أمن ألف عربي مثلك بإبداعك المنيع؟
كيف لا وموهبتك الكروية لا تقل شأنا عن موهبة نجيب محفوظ الادبية، وعبقريتك الكروية لا تنخفض مستوى عن عبقرية أحمد زويل العلمية، ومقامك الكروي لا يدنو مقاما عن مقام شعر أمير الشعراء أحمد شوقي، وأنت امير الملاعب، وإمارتك شرعية لا تمسها الظنون قيد أنملة، فقد بايعك كتَاب كرة القدم الإنجليزية أميرا على ملاعبهم.
وإذا كانت مصر هبة النيل فأنت هبة مصر يا محمد صلاح، وإذا كانت أهرامات الجيزة ثلاثة فأنت الهرم الرابع.
لله درك يا ابن النيل! لله درك يا سليل الفراعنة! سحرتهم، أذهلتهم، ملكتهم، وأنت ملك القلوب وسلطان الأذهان! وبكل شرف وعزة نفس قلت لهم ودموعك تنهمر من عينيك ليلة امس: سجل أنا عربي!