حكم الدستورية بعدم دستورية جواز إنهاء خدمة القاضي قبل استكماله مدة التقاعد او الاستيداع يعزز مبدأ استقلال القضاء
القاضي وليد كناكرية
27-05-2018 05:26 AM
اصدرت المحكمة الدستورية الحكم رقم 2 لسنة 2018 تاريخ 7/5/2018 والقاضي بعدم دستورية العبارة الواردة في الفقرة (ج) من المادة 15 من قانون استقلال القضاء التي تجييز إنهاء خدمة القاضي إذا لم يكن مستكملا مدة الخدمة اللازمة لإحالته على الإستيداع أو التقاعد.
وفي حقيقة الامر فأن تلك العبارة كانت تشكل مخالفة صريحة لأحكام الدستور، وفيها انتقاص واضح من حقوق القاضي، فهي تجيزعزل القاضي من منصبه قبل استكماله مدة التقاعد أوالإستيداع بمجرد صدور تنسيب ضده من اللجنة المختصة، دون ضمانات تضمن تمكينه من الدفاع عن نفسه، ودون صدور إرادة ملكية بذلك، في حين ان المادة 198/1 تنص بأن " يعين قضاة المحاكم النظامية والشرعية ويعزلون بإرادة ملكية وفق أحكام القوانين.
فهل يعقل أن يعطي نظام الخدمة المدنية للموظف العام ضمانة أكبر في أمنه الوظيفي مما ;كان يعطيه قانون استقلال القضاء للقاضي؟، إذ ان هناك ضوابط وشروط تمنع إنهاء خدمة الموظف العام بهذا السهولة الواردة في الفقرة غير الدستورية من المادة (15) من قانون استقلال القضاء، وقد أحسنت المحكمة الدستورية صنعا وأصابت عين الحقيقة عندما تصدت لتلك العبارة،وابطلتها بإعلان عدم دستوريتها، وهي بذلك تكون قد إنتصرت للشرعية الدستورية وسمو الدستور فاالقواعد القانونية يجب ان تلتزم باحكام الدستور و ان تسير في فلكه ولا تخرج عن حدوده، وبعكس ذلك يجب انزال الجزاء المقررلهذه المخالفة بالغاء تلك التشريعات المخالفة للدستور وهو ما فعلته حقا المحكمة الدستورية.
ولا شك ان تحرك مجلس النواب وإيصال طعنه إلى المحكمة الدستورية كانت بادرة حميدة تسجل له، أتاحت للمحكمة الدستورية فرصة إمكانية فحص مدى مشروعية تلك المادة وبالنتيجة إعلان عدم دستوريتها.
ومما لاشك فيه ان هذا الحكم سوف يعزز من استقلال القاضي ولابد أن يكون له أثر بالغ على مسيرة القضاء الاردني وزيادة قدرته في النهوض بالأعباء الكبيرة المناطه به كحامي للحقوق والحريات العامة، فاستقلال القاضي هو هدف ثابت وحتمي لتحقيق العدالة في المجتمع، فرضته طبيعة العمل القضائي ذاته، اذ من الضروري ان يكفل للقاضي الاستقلال التام في الرأي والحيدة في احكامه لكي يقوم بمهمته خير قيام، لان قيام القاضي باداء وظيفته حرا مستقلا مطمئنا على كرسيه آمنا على مصيره هي اكبر ضمان لحماية الحقوق العامة والخاصة وهو ما تحرص عليه دول العالم المتقدم وعليه فإنّ عدم قابلية القُضاة للعزل الا وفق شروط وضوابط محددة، هي حصانة قرّرتها غالبية الدساتير العالمية ومنها الدستور الاردني حماية للوظيفة القضائية، وكضمانة لاستقلال السلطة القضائية وأعضائها وهي تظل مُلازمة لهم دوما ما دام سلوكهم موافقاً لواجباتهم الوظيفية، مُعتصماً بالاستقامة، والبُعد عما يُشينه، ولا يقصد بهذه الضمانات حماية شخص القاضي بقدر ما يقصد منها حماية العدالة وحماية المتقاضين لتمكين القاضي من أن يحكم في الدعوى بحياد وتجرد دون ان يكون متأثرا او متوجسا من أي امرما ، فهذه الضمانات هي من مقتضيات حسن سير القضاء ونزاهته، وهي دعامة أساسية لضمان ممارسة الحقوق والحريات وتحقيق الأمن القضائي .
وكان ما خلص اليه حكم المحكمة الدستورية يتفق مع المعايير الدولية في شأن استقلال القضاء ويلبي تطلعات وتوجيهات جلالة الملك في ضرورة ضمان استقلال القضاء والحرص على نزاهته، وللإنصاف فان النهج الذي يسير عليه المجلس القضائي الاردني برئيسه وتشكيله الحالي، يتوافق مع ما خلص اليه حكم المحكمة الدستورية، إذ لم يسجل عليه أي استخدام او تفعيل لتلك المادة، بل على العكس فهناك حالة أو أكثر قرر فيها المجلس القضائي إعادة القاضي إلى عمله بعد ان تبين له ان الجهات المعنية لم تحتسب له جزء من خدمته غير المصنفة لغايات الإستيداع، ولم يلجأ المجلس القضائي إلى استخدام الفقرة الأخيرة من المادة (15) من قانون استقلال القضاء التي تجيز له إنهاء خدمة القاضي، مما يؤكد حرص المجلس القضائي على استقلال القاضي وإحترامه لسمو الدستور.