درهم ثقافة يوفر قناطير علاج
المهندس مصطفى الواكد
27-04-2009 01:06 AM
قبل مايزيد على العشرين عاما وقفت مندهشا على ناصية أحد الشوارع المزدحمة في إحدى المدن الألمانية ، أبحث عن شرطة سرية أو إشارة ضوئية خفية تنظم السير على مصلب بشكل إشارة ( + ) يتوالى عبور السيارات من خلاله بتناسق عجيب دفعني للإعتقاد بأن هنالك من يصدر أوامره الصارمة بالسير أو التوقف لهؤلاء السائقين دون أن أتمكن من رؤيته . لم أسمع صوت منبه سيارة ولم أرَ أحد السائقين وقد أشار للسائق الآخر بالوقوف أو التحرك أو أخرج رأسه من الشباك لشتم سائق آخر ضجر من مزاحمته له ، باختصار تخيلت نفسي أتابع إحدى لعب الأطفال المبرمجة على الكمبيوتر وأنا أرى سيارة واحدة تخرج من كل مسرب بالتناوب وباتجاه عقارب الساعة لتقف السيارة التي تليها حتى تكتمل الدوره وهكذا دواليك ، أخيرا اكتشفت بأن كل ذلك يقوم بناء على اتفاق ضمني بين الناس تحكمه ثقافة احترام الوقت واحترام حق الآخر وتقديس النظام .
منذ ذلك الحين استهواني الموضوع وبدأت التدقيق في كل ما أراه متعلقا بتنظيم السير في كل منطقة أزورها فرأيت في بعض الدول أن رسم دائرة كبيرة وسط ساحة رئيسية يكفي لجعل السائقين يدورون حول تلك الدائرة وكأنها دوار مبني من الإسمنت لا يجرؤ أحد على تعمد الاصطدام به . أما المارة فلا يمكن أن ترى أحدهم كبيرا أم صغيرا يعبر الشارع من غير المناطق المخصصة للمشاة ولن ترى سائقا يعتدي على أولوية المشاة في تلك المنطقة وكل ما يلزم لتنظيم حركة المرور عبارة عن خطوط مرسومة على أرضية الشارع . في دبي رأيت أن دهان حافة أي جزء من رصيف للشارع باللونين الأحمر والأصفر بدلا من الأسود والأصفر كافيا لمنع السيارات من الوقوف والاصطفاف في ذلك الجزء .
تذكرت كل ذلك وأنا أرى عندنا مزيدا من أشكال الحواجز الإسمنتية تفصل بين مسارب السيارات وكم من المسافات سدت بحواجز الشبك المعدني لمنع مستعمل الرصيف من النزول إلى الشارع ومزاحمة السيارات ، حتى عند بناء جسر علوي أو حفر نفق سفلي لتأمين ممر آمن لمن يريد عبور الشارع ، لا بد من عمل شبك بين اتجاهي الشارع لمسافات طويلة لإرغام المواطن على سلوك ذلك الممر وقد تجد من يقفز فوق ذلك الشبك أو يبحث عن فتحة فيه تمكنه من اختراقه .
لا أدري إن كان هنالك من الإحصائيات لدى الدوائر المعنية ما يبين كم من الملايين ننفقها على شوارعنا في بناء تلك الحواجز وتوابعها ، لكنني متأكد بأن جزءا يسيرا من هذه الكلف لو تم إنفاقه للتثقيف المروري لكفانا الله به شر كثير من الحوادث التي لم تستطع تلك الحواجز منعها ، ولربما أراح وزارة الثقافة من عناء البحث عن مصادر تمويل لصندوق دعم الثقافة .
mustafawaked@hotmail.com