ماذا مَنَحَنا الاستقلال ..
د. نضال القطامين
25-05-2018 04:54 PM
اثنان وسبعون عاما على الاستقلال. هنا الفخر، بقيادة ذات شرعية وبشعب عروبي النزعة منذ التأسيس.
وبجردة حساب بسيطة لسنيّ استقلال الدولة الأردنية، ينبغي لنا الفخر بدولة استثنائية وضعت بصمتها في العالم وفي الإقليم، باستثمارها في رأس المال الذي لا ينضب : الإنسان.
ليس ذلك وحسب؛ لقد كان استثماراً نافعاً أنجب أجيالا منحوا قضايا الأمة صدارةً في الإهتمام وفي القلق وفي الموقف، وقدّموها على لقمة العيش؛ فكانت لهم مواقف خلّدها التاريخ في كل شيء: في الحروب والمعارك، وفي وقفات رجولة حلمنا بأن يحفظها العرب لنا.
عربياً، وفي ظلال الأزمات السياسية العاصفة في المنطقة، بدا كما لو كان هناك تشكيلات جديدة للتحالفات. لقد أُعيد تشكيل الخارطة السياسية من جديد وفق أهداف ومصالح واضحة وخفيّة. وحده الأردن من بقي من كل اللاعبين محافظا على مركزه كمخفر متقدم للجبهات العربية. لقد كان فوت الموت سهلا، فردّه إليه الحفاظ المر والخلق الوعرُ. لكن السؤال الذي يقلق الأردنيين، هل من حافظ لهذا الخلق سواهم؟ تبدو الإجابة شبه كارثية إذا ما أمعنوا النظر في الواقع المرير.
وفي الطرف الآخر من العالم، حافظ هذا الوطن على وجهة نظر احترمته في كل المحافل، وكانت له بصمات مهمة في كل القضايا التي أشغلت العالم، بل وصنع باعتداله ووسطيته ما لم تصنعه أعتى السياسات في العالم. هذا من شأن الثبات على المواقف والصدق والنوايا التي تفرض استحقاق كامل من الاحترام.
لكن الواقع الأمرّ، هو هذا الضغط الإقتصادي غير المسبوق على الأردن. ألم نقدم شهداءً ومواقف بحجم خيباتهم جميعا؟ ألم نطوي على البطون حجارة في زمن يلعب فيه المتخمون؟ ألا من موقف صدق لدماء شهدائنا في فلسطين؟ لقد أسمعت لو ناديت من يحمل في ثيابه نخوة وشجاعة وموقف. لكن لا مبادىء لمن تنادي.
غير أننا إذا ما بلغت القلوب الحناجر، سنبقى كما كنّا، نجني من غرس الشهداء فخرا وعروبة وإنسانية، وليس فينا أو منّا من يرى القومية حفنة دولارات، مقايضةً بموقف أو ثمنا بخسا لفكرٍ استقلالي عروبي قومي نشأنا عليه جميعا. نعم صامدون ونحتفل باستقلالٍ كامل ونستف ترب الأرض، لكن رهانهم علينا بالقبول لن يمر، لن يمر...
يبقى لاكتمال دائرة الاستقلال في الداخل ، أن نكون كما يجب أن نكون؛ شعب عروبي ذو مكوّنات متكاملة، الانتماء واحد للوطن، والمسؤولية واجب على الجميع.
وفي الطريق إلى ذلك، يجب أن ننهض فورا بحوار وطني كامل يستوعب كل قضايا الخلاف؛ قانون الانتخاب، والتمثيل السياسي المتعدد في البرلمان، والصياغة النهائية للأهداف الوطنية ذات الأولوية، والعلاقة الواضحة بين السلطات الثلاث، وقبول الآخر عند كل المكوّنات السياسية، وانتفاء لغة الإقصاء والتهميش وادعاء احتكار الحقيقة. وقبل هذا كلّه وبعده، أن تعترف الحكومات بأن هذا الشعب يستحق أكثر مما تمنحه، وأن تعترف بتاريخه المجيد وبشهدائه وبمواقفه الخالدة في الحضور كخط دفاع أول عن الثوابت والمكتسبات، وأن تعيد تقييم وسائل إدارتها للدولة، بعين من الرحمة، وعيون من الإبداع في تجاوز مآزقنا الاقتصادية، بعيدا عن جيوب الناس المنهكة، وأن تستقيم المعادلة الوطنية الأساسية المؤدية إلى المواطنة الصالحة .