في كتابه عامان في عمان ذكر خير الدين الزركلي انه في واحد من مساءات ربيع 1921 " جلس رشيد بك طليع اثر ترؤسه اول حكومة في شرق الاردن ، يحادث الامير عبدالله في مضربه برابية مركه (ماركا) ، فقال الامير : ما هذه الاحزاب التي كانت تعمل في دمشق ؟ لقد كنا نسمع أنباءها ونعجب لما لها من التأثير في سياسة البلاد " .

" فقال رشيد بك : تلك سنة الامم تختلف فيها المنازع وتكثر الاراء فتتحد جماعات جماعات لكل منها رأي خاص في سياسة الدولة ، فتنشأ عن وحدة الرأي في هذه الجماعات صلة بين افرادها ، فيتضامنون ، فتكون الاحزاب" .

" فقال الامير : اعرف شيئاً من هذا أيام كنا من اعضاء مجلس النواب العثماني في الاستانه ولكن مالي ارى تلك المنازع والجماعات التي تذكرها لا اثر لها في بلادنا هذه " .

هذه المحادثة بين الامير ورئيس اول حكومة له ادت الى تأسيس اول حزب في تاريخ الاردن وهو حزب الاستقلال الذي ترأسه طليع نفسه . وبحسب الماضي وموسى في كتابهما " تاريخ الاردن في القرن العشرين " ظل الحزب قائماً حتى 1924 عندما اصرت بريطانيا على منع الحزب وخروج اعضائه من شرق الاردن بعد ان اشتد دعمهم للثورة السورية واقلقوا الانتداب الفرنسي . فذهبوا الى الحجاز ثم ما لبثوا ان غادروها حيث كان الهاشميون في طريقهم للخروج منها . هذه التجربة افضت لاحقاً الى تأسيس خمسة احزاب اردنية في الفترة 1927-1933 قادتها وشاركت في عضويتها زعامات عشائرية في معظمها .

جذور فكر عبدالله الاول ابن الحسين حول الاحزاب تعود الى نشوء الاحزاب في سوريا مطلع القرن العشرين كما اشار الزركلي . واما فكره في الحياة النيابية فتعود الى مشاركته في مجلس " المبعوثان " التركي مندوباً عن الحجاز . وهو مجلس شورى عثماني تأسس في النصف الثاني من القرن التاسع عشر متأثراً باول مجلس شورى مؤسسي في التاريخ العربي الحديث والذي اسسه محمد علي في مصر 1920 ثم احياه من بعده الخديوي اسماعيل في العام 1866 .

وعلى هذا تأسس في شرق الاردن خمسة مجالس شورى في الفتره 1928-1947 تولت مهام رقابية وتشريعية . وكان يرأس المجلس التشريعي وعدده 16 عضواً رئيس الحكومة ، ولأعضاء الحكومة وعددهم 6 حق التصويت فيه . اما مدة المجلس فثلاث سنوات يمكن تمديدها الى خمس سنوات بقانون خاص . مجلسان من المجالس التشريعية الخمس تم حلهما لعدم موافقة احدهما على ملحق للموازنة والثاني لعدم موافقته على الموازنة نفسها . تبع آخر مجلس تشريعي مباشرة اول مجلس نيابي في 20/10/1947 بموجب دستور 1947 وكان برئاسة هاشم خير رئيس حزب النهضة ومن اعضائه سعيد المفتي وعبد الحليم النمر وشفيق ارشيدات وعاكف الفايز .

الملك فيصل الاول هو من احيا الحياة النيابية في سوريا في العامين 1919/1920 ، وكذلك فعل في العراق في العام 1924 كما ابقى على الحياة الحزبية فيهما . وعلى نفس الطريق سار الملك المؤسس عبدالله الاول . وهذا ما رغبت ان اذكر به لكي يعرف من لا يعرف من القراء الكرام ان الملوك هم من احيوا الحياة النيابية في سوريا والعراق والاردن وابقوا على الحياة الحزبية التي ورثها الاردن حتى اليوم ، بينما اطاح الجمهوريون في الثورة المصرية والبعثيون في سوريا والعراق بالحياتين النيابية والحزبية معاً ولم يؤسسوا البديل لهما . كما سعت الجمهوريات الثلاث لتوريث الحكم وهو ما تم فعلاً في سوريا وكان سائراً نحو التحقق في مصر والعراق لولا ما داهمهما من احداث قضت على النظامين فيهما .

مع ذلك لم تسر امور الحياتين الحزبية والنيابية في بلدنا على ما يرام رغم مرور 72 عاماً على الاستقلال . ومن اول اولوياتنا اليوم تطوير قانون الاحزاب وقانون الانتخاب والبدء بتخصيص كوتا كبيرة للاحزاب في مجلس النواب للانطلاق في تقدم تدريجي يؤدي الى مجلس نواب حزبي بالكامل وحكومات نيابية حزبية ، وتداول للسلطة تقرره صناديق الانتخاب .