أدب الأطفال يحقق قفزات نوعية في لبنان
24-05-2018 01:49 PM
عمون- شهد أدب الأطفال باللغة العربية تطوراً ملموساً في السنوات العشر الأخيرة في لبنان. تغيرت الشكاوى، واختلفت التطلعات أيضاً. لم يعد الناشر أو المسؤولون عن الاختيارات مجرد تجار أو همزة وصل بين الكاتب والطفل. صار بينهم متخصصون في أدب الطفل، وحَمَلة شهادات عليا في المجال. الصغار يعيشون تجربة لم تُكتب لسابقيهم، والدور، لحسن الحظ، في عدد منها، تواكب التحولات، وتحاول أن تسد الثغرات، مع كتاب وفنانين ورسامين هم أيضاً يحاولون مجاراة مرحلة مفصلية لم تعد سهلة في متطلباتها. لكن ما يشكو منه الجميع هو غياب الأرقام الرسمية أو الدراسات الجادة التي تساعد الدور على تعديل عملها أو تقويمه تبعاً للحاجات الحالية أو المتوقعة خلال سنوات. وبدل أن تقدم الوزارات المعنية في لبنان المعلومات للدور، فإن الناشر هو الذي يجتهد ليستطلع الاحتياجات من خلال عمله مع المدارس والأهل والمؤسسات.
وتقول جوانا المر مديرة النشر لقسم كتب الأطفال في «دار سمير» التي احتفلت بعامها السبعين قبل سنتين: «ليت هناك إحصاءات تقوم بها نقابات، أو وزارات، تعطينا مؤشرات حول الجو العام. فقد يكون الأطفال على مستوى باللغة العربية أفضل من الذي نتوقعه. في الوضع الحالي نحن نعمل وفق انطباعات أحيانا وتصورات تقريبية». كل دار لها رأيها لكنّ هناك اتفاقاً على أن الأطفال يقرأون أكثر وهم في سن صغيرة، أي من سنّ الثالثة إلى السابعة، وقد يمتد اهتمام الأهل إلى نهاية المرحلة الابتدائية، لكن القبضة العائلية تتراخى بعد ذلك. ويعتمد الأمر على الطفل نفسه، إن كان قد اختار الاستمرار في مصاحبة الكتاب أو تفضيل أمور أخرى.
هؤلاء الأطفال يحتاجون لإحاطة وتشجيع مستمرين كي يحافظوا على علاقتهم مع الكتاب. وتعزو د. شيرين كريدية صاحبة «دار أصالة» سبب إقبال صغار الأطفال في سن مبكرة على القراءة إلى الاهتمام الكبير الذي توليه العائلة اللبنانية لتعليم أولادها وتفوقهم في دراستهم، وكذلك إلى طبيعة المناهج الحديثة وطرائق التعليم التي باتت ترى في المطالعة جزءاً رئيسياً من العملية التعليمية، في الصف كما في البيت وفي العطلة الصيفية. وتضيف كريدية: «بات هناك وعي لدى المعلمات بأهمية القراءة، وأن الطفل لا يدرك المفاهيم إلا من خلال الكتب والمطالعة وقراءة القصص، وهذا لم يكن موجوداً سابقاً».
وإذا كان الأهل قد تعودوا الذهاب إلى معرض الكتاب وشراء الكتب، فإن التردد على المكتبات بشكل دوري، لم يدخل بعد في تقاليد الأسر، وفي أسلوب تنشئة أطفالها. لذلك فإن أغلب الكتب التي تباع إن لم يكن لوزارات أو مؤسسات ومدارس، فهي التي تُطلَب للمطالعة من قبل المعلمات أو تلك التي يتم شراؤها في معرض الكتاب.
واحدة من المشكلات التي تواجه التربويين في لبنان هي تشجيع الأهل لأولادهم على قراءة الكتب الأجنبية على اعتبار أن العربية هي لغتهم الأم التي سيتكلمونها يوماً، أما وقد ثبت أن إهمال العربية لن يؤدي إلى النتائج المرجوة، فقد استيقظ بعض الاهتمام ولو متأخراً. وتقول الدكتورة نبيهة محيدلي صاحبة «دار الحدائق»: «هذه عقدة تجد طريقها ليحل مكانها عقدة التكنولوجيا. من الملاحَظ أن نظرة الأهل اختلفت عن السابق، ويعتقدون أن عزوف أطفالهم عن الإقبال على الكتب العربية هو مشكلة، وتراهم يشكون من هذا الأمر ويضعون اللوم على التكنولوجيا. لا يخلو الأمر من بعض الأهالي الذين يعتبرون أن عزوف أولادهم عن العربية يمكن أن يُعوّض بلغات ثانية، ويضعون اللوم على عدم وجود كتب جذابة وروايات شبيهة بالروايات الأجنبية». وتعي دور النشر بشكل عام أن الفجوة بين العامية والفصحى تشكل عائقاً أحيانا أمام الأطفال: «الكتاب بدورهم يدركون أن دورهم هو تقريب لغتهم من العامية، واختيار الألفاظ البسيطة، والعبارات المناسبة لكل فئة عمرية، سواء كان الكتاب مترجماً أو مؤلفاً بالعربية، وهذه مهمة ليست دائماً بالسهلة»، حسب جوانا المر. وتضيف: «الفجوة بين المحكي والمكتوب موجودة في كل اللغات، ونحن تعلمنا الفصحى ولغات أجنبية ولم تكن لدينا كل التسهيلات والكتب المسلية المتوفرة اليوم»، محمِّلة الأهل بعضاً من المسؤولية عن التراخي.
«في نهاية التسعينات كان الأكثر شيوعاً هي الكتب المترجمة التي تقدم معلومات مفيدة للأطفال مع صور جذابة، ثم بدأت سلاسل المطالعة التي تواكب المناهج الحديثة، وتلك التي تعنى بالطفولة المبكرة». تقول كريدية التي تحمل ماجستير في أدب الأطفال وشهادة دكتوراه في النشر، وتدربت في دار نشر أجنبية، وهي تعمل حالياً مع فريق شكَّلته من خلال نشر إعلانات، واختبار مهارات وغربلة للوصول إلى أفضل الكُتّاب والرسامين: «نحن نتناقش ونتحاور حول المواضيع والنصوص والرسوم والإخراج، لنخرج بالرؤية النهائية، وهذا ما يجعل العمل مميزاً. ما نقوم به، طالع من دراسة ورؤية وليس اعتباطياً»، تكمل كريدية. جوانا المر من «دار سمير» توافق على أن الوصول إلى المهارات بات أسهل: «منذ 12 عاماً كان الوصول إلى الرسامين والكتاب المناسبين أمراً دونه صعوبات كثيرة. الإنترنت سهّل المهمة، بات بإمكاني أن أبحث عن الكتّاب وأتعرف إلى نصوصهم، أو الرسامين وأطلع على رسومهم قبل الاتصال بهم أو بدء التعاون معهم. بل إن هناك إقبالاً غير مسبوق على الكتابة للطفل، وعلى التوجه للرسم له»، وفق د. محيدلي.
وتختم صاحبة «دار الحدائق»: «وهناك وعي أكبر بحاجاته ونحن سعداء بهذا الحراك المتصاعد. ولكن من ملاحظاتنا أن كثيراً من هذه التجارب ينقصها العمق والتجريب والتأصيل. ويسيطر عليها الاستعجال، والاستخفاف، نتيجة غزارة المعلومات والالتقاط السريع ووجود برامج (الفوتوشوب)».
وتقول جوانا المر: «الإمكانيات الفنية والمواهب متوفرة، ليست هنا هي المشكلة، بالعكس هناك جهود كبيرة تُبذَل، لكن الناشر والكاتب والرسام، ليسوا وحدهم من يستطيعون حل كل المشكلات، هناك بنية متكاملة يشارك فيها الأهل والموزع والمجتمع، وعناصر كثيرة أخرى. الإنترنت مثلاً صار حجة. كنا ننافس كتاباً فرنسياً أو إنجليزياً صرنا ننافس شبكة إلكترونية مفتوحة على عالم هائل».
وتذهب د. كريدية أبعد من ذلك وتقول: «ينقصنا المرح، الطرافة في المواضيع وطريقة الكتابة. أحيانا نغامر، ونتجرأ، لكننا نصطدم بشروط المدرسة، علينا أن نعترف بأننا لا يزال لدينا الكثير من التابوهات، والمواضيع التي لا يحب الأهل أن نتطرق إليها. نحن بحاجة إلى البساطة والنكتة والظرف، والصدر الرحب من الأهالي والهيئات التعليمة. نعرف كناشرين ما يحب الأطفال ونجيب على احتياجاتهم».
ولصاحبة «دار الحدائق» رأي مشابه، إذ ترى أن «الطفل يحتاج إلى أدب ومغامرات وتشويق وتحليق في الخيال أكثر مما يحتاج من التوجيه والتأديب المباشر والرسائل القيمية التي لا نغفل أهميتها عند الأهل ودورها في التربية، ولكن ليس على حساب ما يجذب الطفل ويخاطبه ويحترم عقله. لذا تقع على عاتق الناشر مسؤولية التمييز فيما يختار للنشر، ويقع على عاتق النقاد إبداء الرأي والملاحظات».
هناك دور كانت تصد مجلات للأطفال باتت تعيد تقييم دورها. منذ مدة توقفت «دار الحدائق» عن إصدار المجلتين الورقيتين اللتين كانت تصدرهما وهما «أحمد» و«توتة توتة»، وتعمل حالياً على دراسة إمكانية صدورهما بحلة جديدة مع صعوبة ذلك يوماً عن يوم. فالمتغيرات في التكنولوجيا و«الميديا» سريعة جدّاً، ولا يواكبها دراسات وأبحاث. وتشرح د. محيدلي: «نرى أن المفاهيم تبدلت، وتوصيف الطفل والطفولة واحتياجاتهم وعلاقتهم مع الأهل ومع مجلاتهم تحتاج إلى إعادة نظر، في دورها وأهدافها ومحتواها. فليس من المقبول أن تبقى أبواب المجلات كما كانت عليه، خصوصاً في أبواب المعلومات، والمقالات وطفل اليوم قادر على أن يتواصل ويصدر مجلته بنفسه». (الشرق الاوسط)