** لو أن للنّور نقابة وبطاقة عضوية لانتسبت اليهم منذ الصباح..
يغادرون دون ان نعرف لماذا ؟ويعودون دون أن نشعر كيف؟!..فجأة تنبت خرابيشهم الملوّنة من رحم الأرض مثل البقول وعلى توقيت الدحنون وزهور الروض..فجأة تراهم يشدّون حبالهم الضعيفة في أوتاد اعتادت على الترحال ويقولون هذا وطننا!!..
نارهم التي لا تحرق ، فقط تنضج القهوة المسافرة ، القهوة الغجرية ذات الشعر المكبّش واللهجة الغريبة..رجالهم لا يأبهون بالرزق كثيراً، لا يحلمون بقصور ولا بقبور شاهقة ..يحلمون فقط بخربوش يكسر عين الشمس وعين الجوع..وربابة تسدّ رمق الحزن بغناء مبحوح، وليل لا يشاركهم فيه أحفاد الحضارة، وأعداء الحياة..أما القمر فهو مضيفهم الذي لا يفارقهم اينما أممّوا وجوههم..
ليس لديهم قضية مزمنة ، أو أزمة مالية ، لا يزورهم مدير صندوق النقد الدولي ولا مدير عام الوكالة الذرية..إنهم أقوى قوة في العالم..فهم لا يخشون شيئاً..لأنهم لا يمكلون شيئاً أصلا.. انّهم أصدقائي النَّور .
مثل رائحة الصيف أشتمّهم ، أراقب ركض أطفالهم أنصاف العراة، وثياب نسائهم العريضة الملوّنة ، والضفائر الشقراء الغليظة المجدولة بإحكام مثل حبال السفن ، قدورهم القديمة المتوشحة بأنفاس لهب عتيق..مهنهم البسيطة التي لا تطعم خبزاً، مناظيرهم التي لا تري أفضل مما تراه العين المجردة..أحزمتهم التي لا تناسب بطوننا، وأمشاطهم التي تتوه في دروب رؤوسنا..كل شيء أحفظه عن ظهر درب ..
أشتمّ وجودهم ، كما أشتم رائحة الخبز الحجري، أحسدهم على صفائهم عند الغروب ، على التفافهم حول بطيخة مسروقة أو مهداة أو مشتراة لا فرق..وأمٍ عجوز تحبو لتلتقط أغصان يابسة تنضج عليه شاي السهر..
لو أن للنّور نقابة وبطاقة عضوية لانتسبت اليهم منذ الصباح..لأسميت نفسي ذبّاح أو سعدو ..وحملت على كتفي 3 جاكيتات جلد..وأحزمة رجالية وكاميرا ثقيلة شكلها يوحي بمتانة وخصائص فريدة..ومنظار أخضر زيتي..وساعات معظمها متوقفة أو تفرق عن التوقيت الحقيقي خمس ساعات ونصف..لو أن للنّور نقابة..لارتديت دشداشتي وأخرجت جديلتين رفيعتين من تحت طاقية متّسخة..ولففت شماغي على كتفي ..وسرت حافياً الى الشمس..
يا معشر النَّور لا ترحلوا، قد لا تعرفون كم يحزنني منظر بيوتكم المغادرة والحجارة المحترقة والمنسية ..وكم يوجعني مكان الأوتاد المخلوعة من اصبع الأرض مثل ظفر طفل رضيع..لا ترحلوا، قبل ان ترووا الأرض بساطة وطيبة وحبّاً مجدولاً بسهرات الليل..يا معشر النَّور هل تقبلونني نوريّاً محترما.
ahmedalzoubi@hotmail.com
أحمد حسن الزعبي