دور النشر العربية .. بين الموجود والمنشود
د. ايهاب عمرو
24-05-2018 05:21 AM
مع تقديرنا العميق لأهمية الدور الذي تقوم به دور النشر العربية في نشر المعرفة وتعزيز آفاقها في المنطقة العربية في ظل الظروف الاقتصادية والسياسية القائمة، وفي ظل ضعف الاقبال على القراءة، إلا أن من واجبنا الأخلاقي والمهني التنبيه إلى بعض المبتسرات ذات العلاقة بنشر المؤلفات وصولاً إلى تجسيد مقولة "لكل كتاب قارئ، ولكل قارئ كتاب" كحقيقة قائمة في العالم العربي، خصوصاً في ظل التطورات المتسارعة التي فرضتها طبيعة العصر الحالي القائمة على الرقمنة وإنترنت الأشياء، ما يشمل الكتاب الإلكتروني. ووصولاً كذلك إلى تعزيز قدرة دور النشر العربية في المنافسة على مستوى إقليمي ودولي مستقبلاً.
فبينما تقوم دور النشر الأجنبية بمتابعة كافة تفاصيل العمل محل النشر ابتداءً بالعقد المتضمن للحقوق والواجبات المتوازنة لكل من دار النشر من جهة، والمؤلف من جهة أخرى، ومروراً بمتابعة مخطوطة الكتاب من الناحيتين الموضوعية والشكلية، وانتهاءً بإرسال النسخة النهائية للمؤلف قبل نشرها من أجل إبداء موافقته عليها. نلاحظ أن بعض دور النشر العربية وإن كانت تقوم بإبرام عقد نشر يتضمن بنوداً (شروطاً) معينة، إلا أن عقد النشر في العالم العربي يكاد يكون عقد إذعان حيث لا يكون للمؤلف أدنى فرصة معقولة في المفاوضة، وفي حالة عدم قبوله لتلك الشروط فإن كتابه سوف لن يرى النور ما يدفعه، أي المؤلف، إلى القبول بتلك الشروط إدراكاً منه بأهمية تعزيز ثقافة القراءة في العالم العربي.
ومن الشروط التي تفرضها بعض دور النشر العربية شرط الحصول على حق حصري وقطعي بطبع الكتاب دون تحديد مدة زمنية معينة، ما يعني أن الناشر يحق له بموجب هذا الشرط طبع الكتاب لفترات طويلة دون استئذان المؤلف ودون حصوله كذلك على أي عائد مالي نقدي أو عيني جراء ذلك. وتقوم بعض دور النشر بالطلب من المؤلفين المساهمة في جزء من تكلفة الطباعة والتجهيز الفني للكتاب ما يؤكد فكرة عقد الإذعان لعقود نشر المؤلفات في العالم العربي.
ومع إدراكنا لضعف الاقبال على القراءة في المنطقة العربية وأن أمة إقرأ أضحت بين عشية وضحاها لا تقرأ، إلا أن دور النشر بشكل عام تحصل على عوائد جيدة نوعاً ما من خلال بيع تلك المؤلفات في معارض الكتاب بالمقارنة مع التكلفة البسيطة نسبياً لطباعة الكتب وشحنها إلى الدول التي تعقد فيها تلك المعارض. إضافة إلى العوائد الناشئة عن الكتب التي يتم إعتمادها في التدريس الجامعي من قبل بعض المؤلفين الذي يعملون في الحقل الأكاديمي.
ولا يتوقف الأمر عند ذلك بل يتجاوزه إلى تحكم بعض دور النشر العربية بعدد النسخ المطبوعة، ناهيك عن عدم قيام بعض دور النشر بعمل بروفات خاصة بالنسخة النهائية في بعض الحالات وقيامها بنشر الكتاب دون الرجوع للمؤلف ودون الحصول على موافقته على النسخة النهائية للكتاب، عكس ما تقوم به دور النشر الأجنبية التي تقوم بالطلب من المؤلف مراجعة مخطوطته قبل نشرها من أجل ضمان ملاءتها اللغوية والموضوعية قبل ظهورها للعلن.
مما سبق يتضح لنا أهمية الدور الذي تقوم به دور النشر العربية في المجتمعات العربية من خلال تعزيز ثقافة القراءة في تلك المجتمعات التي عزفت عن القراءة بشكل كبير. وهذا يتطلب، من جملة أمور أخرى، قيام بعض دور النشر تلك بإتباع أساليب أكثر شفافية وأكثر مهنية تحكم علاقتها مع المؤلفين، أسوة بما هو معمول به لدى دور النشر الغربية.
وختاماً لا بد من القول، من قبيل إحقاق الحق أن بعض دور النشر العربية بشكل عام، والأردنية بشكل خاص، لديها خبرات كبيرة في مجال النشر الورقي وقادرة على المنافسة على مستوى عالمي، خصوصاً أن بعضها أصبح يعتمد منصات خاصة بالكتاب الالكتروني باللغتين العربية والانجليزية ما يمكن القراء حول العالم من الاطلاع على أحدث المؤلفات عبر الوسائط الالكترونية الحديثة كما هو الحال في دور النشر الغربية، وشراءها كذلك بطرق ميسرة بعيدة عن التعقيدات البيروقراطية، ومثال على ذلك دار الوراق للنشر والتوزيع في الأردن. إضافة إلى قيام بعض دور النشر االعربية بمنح القارئ/ة الرقمي/ة فرصة تحميل التطبيقات الخاصة بها على أجهزتهم الخليوية ما يمكنهم، أي القراء، من الاطلاع على المعلومات الخاصة بالكتب المنشورة، ما يشمل مقدمة وفهرس الكتاب، مع إمكانية البحث والتسوق والشراء عبر التطبيق مباشرة، ومثال على ذلك دار الثقافة للنشر والتوزيع في الأردن. ناهيك عن وجود كوادر مؤهلة لديها خبرات واسعة في مجال النشر الورقي لدى بعض دور النشر العربية كتلك الكوادر الموجودة في مكتبة المجتمع العربي، وفي مركز الكتاب الأكاديمي، وفي مكتبة دار الشروق في الأردن.