في رحلته إلى استقلاله منذ اعلان ولادته عام 1921 قطع الأردن مسافة عقدين من الزمن، كانا مليئاتٍ بتربص قوى تتشكل وقوى عالمية، وكان حينها شرقي الأردن وحتى نيله اعترافه بالوجود عام 1946 على طاولة ديبلوماسية الانتداب.
فما بين الاستقلال الأول عام 1923 والاستقلال الناجز عام 1946 حكاية ما زالت بحاجة للفهم والتأمل لفهم دور الأردن الذي قاوم وناضل بخطابه العربي وبناء الانسان كي ينتزع من الانتداب حقه بالوجود، وليحبط من تمدد أكبر مشروع تآمري في التاريخ الحديث وهو المشروع الصهيوني.
فالملك المؤسس الشهيد، صاحب سيرة الاستقلال، خاض نضالاً مع قوة الانتداب التي كانت على الدوام تمثل دور الحائر في الأردن ، فبينما هي تريده كياناً ضعيفاً، كان يرى فيه الملك المؤسس نواة لرسالة أكبر تحتضن خطاب النهضة العربية.
وهذا الخطاب لم يكن موجهاً بيوماً للأردنيين لوحدهم، بل كان موجهاً لكل قوة في الاقليم تحاول النيل من مفهوم العروبة النقي المتأتي من الشرعية والمشروعية، حيث أن العرب في لحظات الوهن، يلجأون إلى الشرعية .
لذا فقد كتب على هذا الحمى الذي نحتفل باستقلاله ال 72 أن يقاتل لا لأجل وجوده بالمعنى السياسي والجغرافي فقط ، بل بما يمثله من رمزية للمُلك العربي والحكم الرشيد، إذ شكل الأردن وعبر عقود من عمره خطاباً ينحاز إلى الانسان العربي، وأسس لهذه الحالة بمفهومها النقي دون أن يشوبها "لوثة" الأيديولوجيا التي تحبس هذا المفهوم في إطاره الضيق.
فالعروبة في الفهم الأردني موصولة بإرثها الإسلامي وهوية المنطقة الإسلامية المسيحية، ذات القيادة المتنورة الساعية لبناء الانسان والوقوف لجانب صوته في حقوقه المشروعة.
وعلى هذا فإن الاستقلال الأردني قصة، ما زلنا بحاجة لفهمها لندرك دلالات الحاضر التي باتت تتعاظم في معانيها، سواء من قبل إنقلاب بعض القوى الاقليمية على ذاتها بداية وعلى مفاهيمها أو جراء ما تعرضت له قوىً أخرى من تعرية وجسارة باتت معها تريد أن تجب كل تاريخ الإنسان العربي وحركته ومنجزه ، والتي يمثل الأردن إحدى أبرز دلالاتها.
فاليوم، ونحن نحتفل بالاستقلال الأردني علينا أن نتذكر أن هذا الدرب لم يكن مليئاً بالورود بقدر ما هو مليء بالتضحيات، والتي من أبرزها في تاريخنا استشهاد الملك المؤسس على عتبات الأقصى.
واليوم، وبعد هذه المسافات من التاريخ، تعود الأقصى لتحملنا مرة ثانية على أن نشد العزم ولتبقى حرابنا وعقولنا مستمسكة بالاستقلال والوطن، ليبقى قوياً وليبقى رأس حربة في وجه الظالمين.. فالأردن حق وبقاءه حق لأجيال الأردن والأجيال العربية القادمة.