في عصرنا اصبح كل شيء قابل للتسييس حتى لو كانت الشعارات انسانية خالصة، والفن بشكل عام ليس منقطعا عن الواقع الذي انتجه لكن حين تصرف الملايين وربما المليارات من اجل دراما تعبر عن نوستالجيا امبراطورية، او عن زمن ذهبي ولّى، فان معنى ذلك ليس تسييس الدراما فقط، بل ادخالها الى سلسلة حروب ما بعد الحداثة، ومن المعروف ان معظم الدول خصوصا تلك التي تملك ما يسمى القوة الناعمة تبعا للمصطلح الذي اقترحه جوزيف ناي وليس تبعا لما تتداوله وسائل الاعلام بشكل مجاني.
وتسييس الدراما اما ان يأتي على سبيل تمجيد الذات واحياء الماضي من اجل التعويض عن حاضر فقير، او على سبيل تمجيد الذات واحياء الماضي من اجل التعويض عن حاضر فقير او على سبيل شحن الارادة وشحذها وحشد الرأي العام في حروب ناعمة، لها اسلحة واستراتيجيات من طراز آخر!
وما قدمه العرب من الدراما التاريخية لم يخضع لاستقراء دقيق ولعبت الامزجة والنوايا دورا في الاختيار والحذف، رغم ان التاريخ العربي منجم اسطوري لاعمال درامية يصل فيها الصراع ذروته، وهناك دول ذهبت في تسييس الدراما الى ما هو ابعد وهو عسكرتها كي تكون معارك بديلة لكن المادة التاريخية التي تستمد الدراما منها الاحداث والسياقات لها مساحات موضوعية بحيث يكون للتلاعب فيها حدود ما ان يتخطاها حتى تصبح ضربا من الفانتازيا.
وفي عصر سؤال الهوية والتهابها اصبح هاجس الكثيرين هو اعادة انتاج الماضي بما يلائم رغباتهم، وحين تسقط المصداقية التاريخية عن الدراما وتنقطع عن الحقائق لتصبح مجرد خيال فإن كل ما ينتج في هذا السياق يفقد فاعليته، وتزدهر ظاهرة تسييس الفنون ومنها الدراما في مراحل تتصارع فيها الهويات، والنبش في المقابر اما ان يكون دليلا على فقر الحاضر او عجزا عن بناء مستقبل بالمعنى العلمي!
الدستور