لا ادري بماذا كان يفكر الكاتب " باسم السلكا " حين خط تفاصيل مسلسل الهيبة " العودة " الذي يبث على غير محطة فضائية هذه الايام..
دماء وقتل جماعي وثأر وعنجهيه ومشاهد تقشعر لها الابدان , معارك دامية , وصراخ رجولي مفتعل " يخترق حاجز الصوت " , ووابل من رصاص لا ينتهي , ومواكب سيارة تشبه الى حد بعيد تلك المرتبطة بالتنظيمات الارهابية , وجرود وقرى نائية تمارس دورا مرعبا بعيدا عن الدولة , مستلة من لامنطق الدويلة داخل الدولة محورا بارزا سواء اكان اسقاطيا ام تأييديا .. اتساءل حقا : هل افرزت مرحلة سيطرة الجماعات الارهابية على مناطق عربية معينة افكارا ولّادة وموحية لكتاب المسلسلات ؟ وهل لتلك الجماعات سطوة فكرية حتى بالعقل الباطن , حالت دون تفتح قريحة الكتاب على قصص اكثر لطفا .. ؟
" الهيبة " التي اعتبرها لهذا الموسم " بلا هيبة " هي بحق ارهاب فكري ونفسي واجتماعي يزورنا عنوة ويفرض علينا " رجولة " لا تؤمن الا بالتصفيات الجسدية والغدر , ولا تعرف معنى للدولة ولا لسيادة القانون , بل ل " لامنطق " الاسلحة المتفلته المدججة هنا وهناك , بل بعودة نظرية البطل الذي لا يقهر ولا يموت رغم خروجه عن القانون وتجاوزه لمؤسسات الدولة , كل ذلك بتوقيع من المخرج سامر برقاوي الذي اغرق من جهته في ترجمة مشاهد الدماء والتلذذ بالقتل !..
هذه الانطباعات ليست فردية , بل انها تتقاطع والكثيرين ممن التقيتهم اثناء مناقشات خاطفة حول المسلسلات الرمضانية , منتقدين قبول الشركة المنتجة " الصباح " لهكذا عمل يثير الجدل ويطرح اكثر من علامة استفهام حول تكريس مشاهد الارهاب وكأنها حياة يومية عادية علينا التعود عليها , فيما تشير دراسات نفسية الى ضرورة الابتعاد عن كل مشاهد العنف خاصة لمن عاش تلك التجربة المريرة في الدول العربية التي عانت ويلات التنظيمات الارهابية وابتكارها لابشع اساليب التصفيات الجسدية .
وبعودة الى " الهيبة , العودة " .. هل استبعدت الممثلة الاستثنائية " نادين نجيم " ام غادرت هي من تلقاء نفسها عن " الهيبة الرعب " , هل شعرت بان " كمية الدماء والبطش المغولي " لا يشبه اختياراتها ؟
لم نحصل على جواب شافي حول سبب غيابها عن الجزء الثاني باستثناء ما قالته نجيم بدبلوماسية " بان الدور لا يناسبها " , فيما تندر البعض بقولهم " بان نار غيرة زوجة الممثل بطل المسلسل تيم حسن وفاء الكيلاني هي السبب " الاصلي " وراء استبعاد ملكة الجمال نجيم " ! ..
النتيجة ان الممثل " حسن " استأثر بالبطولة التي جاءت قاسية ومفتعلة بشكل لافت حتى طريقة تمثيله وتعابير وجهه وخاصة حركة " الشفاه القرفانة " وطريقة المشي الغريبة " لغة الجسد " لا تقترب من التلقائية بل انها التمثيل المفضوح لذاته , وهنا يحسب ل " نجيم " انها اختارت " طريقا " مختلفا وجميلا , في مسلسلها الرمضاني " طريق " الذي تعرضه شاشة " الام تي في " اللبنانية , اذ تفردت البطلة بتمثيل لا تمثيل به , وتفوقت على نفسها , واستحقت بحق التربع على عرش الدراما العربية بعد عرش الجمال اللبناني قبل اعوام .
العالم العربي في هذه المرحلة البائسة تحديدا , احوج الى قصص حالمة بعيدة عن القتل والدمار والمخدرات والمربعات الامنية والدويلة داخل الدولة , فيما يأتي " الهيبة " بلا اي قيمة مضافة - حتى لو اننا لا زلنا في بداية الجزء الثاني - الا ان الكثير من " المكاتيب قرأت وتقرأ
من العناوين " .
ولا ندري في حقيقة الامر هل يناهض هذا المسلسل الارهاب ام يعلم المراهقين والمحبطين والعاطلين عن العمل على فنونه وعلى انتزاع الحق " بالرصاص " ؟
اقول ان غياب النجمة نجيم احدث اختلالا في توازن " الدويتو " التمثيلي , الذي قدم اجمل اداء في " تشيللو " و " نص يوم " حتى كاد البعض ان يقارب " الكيمياء " بينهما بثنائيات الزمن الجميل..
وبغيابها في ظل نص يعج بالتطرف السلوكي والقوة الغاشمة سقطت كل جماليات " الهيبة " فعليا ..
شخصيا , انا ضد اجتراح اجزاء لمسلسلات اخذت نجاحا , لانها تفضح انسياق الكتاب الى اختراع قصص لا تشبه بالضرورة الجزء الاول , ولكن يريدون اقناعنا بالقوة ان الاجزاء جديرة بالمتابعة على شاكلة " باب الحارة " !
للعلم الناس " قرفت " من تسطيح ما يقدم لها عبر الشاشات , وهي تواقة لدراما مختلفة اقرب الى حياتنا اليومية الاجتماعية , دراما ملهمة تتفوق علينا , تجذبنا " غصب عنا " للمتابعة ..
كما ان " الناس اذكياء " اذ يفرقون بين النصوص المكتوبة لذاتها و" متعوب عليها " وبين النصوص المجترة لغايات تجارية وتسويقية وارباح مادية طائلة تستثمر بجماهيرية البطل " الاسطورة " ليظهر كل من معه " كومبارس " ليس اكثر, وهذا ما يظهر في الصورة الجماعية الملتقطة لممثلي العمل حيث يتصدرها " تيم / شيخ الجبل " " رامبو الموسم الرمضاني" ولسان حاله يقول " انا او لا احد " .
" الهيبة - الارهاب الدرامي المبرمج " سقط بامتحان العودة فلم يدرس جيدا " امزجة العامة " المحبطة من " تفريخ التنظيمات الارهابية " , فيما تتلذذ " الهيبة " في توريطنا برؤية نسخة تعتقدها محسنة عن الرعب في اطار لا يلزمنا بشيء , ولا يقدم وجبة رمضانية دسمة , بل انها " غير ناضجة " تسيل من انسجة لحمها دماء مقززة , غير صالحة ل " الهضم " .. " !