نواب استثنائيون ودورة استثنائية
د.خليل ابوسليم
24-04-2009 11:26 PM
يحكى أن جحا ارتقى يوماً منبر الخطابة حيث اجتمع حوله خلق كثير ، و قال : أيّها الناس ..هل تعلمون ما أريد أن أكلمكم به ؟فأجابوه جميعاً بصوت واحد : كلا ، لا نعلم ذلك .قال جحا: ماذا أقول لكم و انتم لا تعلمون ؟ ثم نزل وانصرف.و في اليوم التالي ارتقى المنبر و قال : أيّها الناس ..هل تعلمون ما أريد أن أقول لكم؟أراد الحاضرون ألا يجيبوه بجواب اليوم الأول .. فقالوا : نعلم ما تريد أن تقول ..فقال لهم : إن كنتم تعلمون ذلك ..فما الحاجة إلى قولي؟ و ماذا أقول لكم ؟ فنزل وانصرف ..في اليوم الثالث ..قال لهم : وهل تعلمون اليوم ماذا أريد أن أقول لكم؟هنا انقسم الحاضرون - بعد مشورة بينهم- إلى فريقين ، فريق قال نعلم و فريق قال لا نعلم..فقال لهم : حسناً ، فليخبر الذين يعلمون قولي للذين لا يعملون !!و نزل و شق طريقه منصرفاً.
أسوق هذه الحكاية الطريفة في الوقت الذي يشد فيه السادة النواب رحالهم صوب مجلس الشعب في دورته الاستثنائية المزمع انعقادها خلال الشهر المقبل، متذرعين بان هناك العديد من القوانين الملحة التي يجب على المجلس مناقشتها ومن ثم إقرارها لما فيها من تماس مباشر بهموم الوطن والمواطن حسب ادعائهم.
لقد نصت المادة 82 من الدستور الأردني في الفقرة الثانية منها على "أن يدعو الملك مجلس الأمة للاجتماع في دورة استثنائية متى طلبت ذلك الأغلبية المطلقة لمجلس النواب بعريضة موقعة منها تبين فيها الأمور التي يراد البحث فيها".
وبناء على ذلك وبسرعة البرق، تداعى النواب المحترمين، من كل حدب وصوب ينسلون، رافعين شعار يا نواب الشعب اتحدوا، وعملوا على توقيع مذكرة نيابية، تطالب بعقد الدورة الاستثنائية.
الأمر في ظاهره والحال تلك يبدو عاديا، أما ما هو غير عادي، فهو قيام العديد من النواب الكرام في الدورة العادية بممارسة العديد من الطقوس وبالاتفاق المسبق للحيلولة دون عقد الجلسات في موعدها، حيث عمد البعض منهم إلى تهريب النصاب والانشغال في مناكفات جانبية، والتلهي بالسفرات الخارجية.... الخ من التصرفات التي باتت معروفة للجميع، مما افقد المجلس هيبته بعد فقده للعديد من الجلسات التي كان من الممكن انجاز بعض القوانين خلالها.
كنا نتمنى على السادة أعضاء المجلس الكريم أن يسارعوا إلى الوقوف على متطلبات المواطنين، ومتابعة شؤون حياتهم وما يتعلق بها ودفع الظلم والجور عنهم بنفس السرعة التي وقفوا فيها على أبواب الحكومة لتحقيق مطالبهم الشخصية، ومثلما اقروا العديد من الامتيازات الخاصة بهم والتي يتوقع أن تكون استثنائية في الدورة الاستثنائية!! ضاربين بعرض الحائط آمال وطموحات الشعب الذي أصبح لا يراهن إلا على الحصان الخاسر.
ومن هنا نتساءل مع السواد الأعظم من الشعب عن المبررات التي تدعوا المجلس إلى طلب عقد دورة استثنائية؟ وهل الأمور الواردة في هذا الطلب ملحة إلى هذه الدرجة ولا يمكن تأجيلها إلى الدورة العادية؟ وإذا كان الأمر كذلك لماذا لم يتم إقرار تلك القوانين في الدورة العادية؟
ويرى البعض – ونحن منهم – أن خلف الأكمة ما خلفها، وفي حقيقة الأمر ما هي إلا كلمة حق أريد بها باطل، حيث الأهداف المتمثلة بهذا الطلب أصبحت معلومة للذين لا يعلمون، ولا تعدو عن كونها إطالة في عمر المجلس الذي لم يقدم شيئا يذكر في ذاكرة المواطن، اللهم باستثناء العديد من الامتيازات الخاصة بأعضائه حيث يرى البعض أنها ما زالت ناقصة ولا بد من استكمالها في الدورة الاستثنائية، والتي لم تمكنهم من ذلك مدة الدورة التي انفضت بعد أن نفضوا جيوب الوطن والمواطن وأمسى من أقصاه إلى أقصاه جيبا واحدا، ولكن مدعاة للفقر المدقع، ، ناهيك عن التهرب من القضايا والمطالبات للمواطنين التي ترتبت على بعض السادة أعضاء المجلس الذين يرفضون تأديتها، متذرعين تارة بكونهم نوابا ولا تجوز مطالبتهم، ومختبئين تارة أخرى خلف الحصانة التي تمنع إقامة الدعاوى عليهم ومحاكمتهم أثناء انعقاد المجلس مما يؤدي إلى ضياع حقوق العديد من أصحاب الحقوق.
وعلى ذلك فأنني اعتقد جازما بأن عقد تلك الدورة لن يكون آخر المنغصات في حياة مواطننا الكريم الذي تنفس الصعداء عند انتهاء الدورة العادية، التي لو كانت مدتها أطول من ذلك، لاستولى البعض منهم على كل مقدرات الوطن والمواطن إن بقي منها شيء، وبات حاله أفضل بكثير بدون انعقاد المجلس، ومن هنا فإننا نرفع اكف الضراعة إلى العلي القدير، مبتهلين إليه أن لا يتم عقد مثل تلك الدورة حتى نتمكن من إنقاذ ما يمكن إنقاذه من براثن السادة المبجلين إن استطعما إلى ذلك سبيلا، بعد أن يجد الله لنا من مجلسنا فرجا و مخرجا.
وفي اعتقادي أن الخاسر الأكبر في حال عدم انعقاد تلك الدورة بعد السادة النواب، ستكون الصحافة بمجملها التي لن تجد مسمارا تدقه في نعش المواطن الذي وجبت عليه صلاة الغائب، أقول هذا واستغفر الله لي ولكم.
kalilabosaleem@yagoo.com