ما الذي يجعل الأردن، شعباً ودولة ومؤسسات يقف على رجليه، يواجه التحديات الداخلية والمحيطة، معانداً مرفوع الرأس، لا أحد يملك شجاعة المزايدة علينا، أو المس بنا بالأذى والسوء والبهدلة، حتى في ظل أسوأ معايير السياسة وأشد مآخذ المعارضة رفضاً للسياسة الرسمية المتمثلة بـ : 1- العلاقات الإستراتيجية مع الولايات المتحدة ، 2- معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية، ففي ظل العلاقات الوطيدة مع واشنطن يقف الأردن موحداً من قبل رأس الدولة، والحكومة، والبرلمان، والشارع الشعبي ضد قرار ترامب بنقل سفارة بلاده إلى القدس وإعتبارها عاصمة للمستعمرة الإسرائيلية، رغم بقاء واستقرار معاهدة وادي عربة المرفوضة واشتراطاتها المجحفة.
في ظل العلاقة، مع واشنطن وتل أبيب يتخذ الأردن سياسة وطنية وقومية حازمة، يقف كرأس حربة سياسية في مواجهة: 1- القرار الأميركي وتداعياته ومحاولة لملمة أثاره المؤذية، والتخفيف من مضاره التدميرية على الوضع السياسي والأمني في فلسطين وامتداداته على مجمل شعوب ودول المنطقة، 2- ونحو دعم صمود الشعب الفلسطيني وإسناد مواقف منظمة التحرير، وتشكيل رافعة، بل المساهمة بإيجاد روافع عربية وإسلامية ودولية للقيادة الفلسطينية، باتجاه العمل نحو القضايا المركزية الأربع : 1- حماية القدس من التهويد والأسرلة، 2- إنهاء الاحتلال، 3- دولة فلسطينية وعاصمتها القدس، 4- حل قضية اللاجئين.
على خلفية هذه المعطيات والمواقف يتحمل الأردن تبعات سياساته إن لم تكن بالحصار والقطيعة، فعلى الأقل عبر تقليص المساعدات وعدم إعطاء الأولوية له من قبل الأثرياء العرب الذين تتبدد ثرواتهم في الحروب البينية ويتم استنزافها بلا نتائج إيجابية بل ومدمرة في اليمن وسوريا وليبيا والعراق ومن قبلهم في الصومال وحتى من أيام أفغانستان.
الأردن يتخذ سياسة حازمة نحو العدو الوطني والقومي والديني: المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي الذي لا يزال يحتل أراضي ثلاثة بلدان عربية، ويتطاول على كامل حقوق الشعب العربي الفلسطيني أرضاً ووطناً وبشراً وحصيلة ذلك مواصلة الإلتزام بإعطاء الأولوية للأمن الوطني الأردني، في التعامل مع الإحتلال ورفضه وعدم التكيف مع إجراءاته وسياساته.
وعلى الرغم من التحولات السياسية في العالم العربي، فالأردن لا يغير قناعاته ومبادئه، فهو لم يقف مع المعارضة السورية ضد نظام الرئيس بشار الأسد ورفع شعاراً مبكراً لا حل إلا الحل السياسي الذي أصبح شعار كل الأطراف بعد دمار سوريا وخرابها، ولم يقف مع العرب ضد الكرد، وليس مع السنة ضد الشيعة، بل حافظ على علاقات متوازنة مع المكونات العراقية الثلاثة إيماناً بالشراكة لكل المكونات العراقية، وحافظ على علاقات قائمة على الإحترام المتبادل مع تركيا ومع إيران في الوقت نفسه، ولم يتخذ سياسات مناكفة لقطر لحساب باقي المواقف الخليجية، هذا التوازن في العلاقة مع الذات ومع الأخرين أكسبت الأردن احتراماً ومكانة رغم ضعف إمكاناته، وشح موارده، وثقل متاعبه الإقتصادية والإجتماعية.
الأردن بلد التوازن المتكافئ، والسياسة الهادئة غير الإنفعالية، وشعب المواقف الصعبة المتماسكة لم تدفعه تطاير الربيع العربي وإفرازاته نحو التطرف والطيش، فبقي شعبنا مطالباً بحقوقه الدستورية والديمقراطية والتعددية رغم تغول السلطة التنفيذية وإجراءاتها، فالوطن له الأولوية، وفلسطين لها المكانة المرموقة في ضمير الأردنيين وحساباتهم، والعلاقات العربية هي معيار ومرجعية وهدف، ولهذا نتباهى بما نحن فيه ونعمل على تطويره، ومنع معيقات صموده واستمراريته، أردن وطني تعددي يقوم على عمل المؤسسات واستقرارها، ورفع تغول السلطة التنفيذية وتفردها، ونحو توازن بين السلطات وفق المعايير الدستورية، ومع شعب فلسطين والإنحياز له، ومع العرب ووحدتهم، ومع باقي المكونات القومية والدينية التي تعيش معنا وتشاركنا المواطنة والتاريخ ونصنع المستقبل لنا جميعاً.
h.faraneh@yahoo.com