السلطة تذهب بعقول اصحابها
د. عاكف الزعبي
20-05-2018 04:06 PM
السلطة المطلقة مفسدة مطلقة كما يقول مونتسيكيو. والسلطة حتى لو لم تكن مطلقة تبقى مصدراً للفساد وتنام معه في فراش واحد . الناس يظهرون التمسك بالعدل ، والحاكم يغريه التمسك بالسلطة ، وغياب العدل ودوام السلطة طغيان يفتح الطريق لهلاك المجتمعات والدول .
ليس مثل السلطة مبعث للفساد لانها تمنح القوة وتعززها وتفتح الباب الى الثروه . وفي الجاه والثروة ما يعمي الابصار ويعيد الانسان الى طبعه الاول . ما جعل ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع يحذر من الجمع بين الامارة والتجاره .
ولذلك كان الزهد في السلطة ليس كالزهد في اي شىء آخر . فالزاهد في السلطة ليس من لا يسعى للوصول اليها وانما من زهد بها وهو يملكها . وعندما يفرد التاريخ صفحاته يصعب التنقيب عمن زهدوا السلطة بعد ان ملكوها .
كثيرون من زهدوا السعي للسلطة وقلما ذكر التاريخ من زهدها بعد ان ملكها لان سطوة السلطة تطيح بعقول اصحابها . حتى ان من امتلك التجربة الفكرية والسياسية لم يتحرج من القول بان معظم الابطال في التاريخ ظلوا ابطالاً لانهم ماتوا او تقاعدوا قبل ان يصلوا الى السلطه. فما اسهل ان تقلب السلطة البطل الى طاغيه.
الافلات من طغيان السلطة واشاعة العدل لا يكون الا بشرعية للحكم يضمنها عقد اجتماعي ، وتقيدها ضوابط وتحكمها تقاليد تمنع التفرد بالسلطة وتحول دون السعي لادامتها . وكم من ملايين البشر اضطهدوا وتشردوا ودفعوا حياتهم دفاعاً عن شرعية امتلاك السلطه .
ارقى الانظمة الديمقراطية في العالم لا يخلو القائمون على السلطة فيها من نكهة فساد مدفوعة بطبع الانسان ومراودات السلطة والثروة وما تتصف به ادارة شؤون الدولة والمجتمع من اتساع وتعقيد . والمفاضلة بين نظام وآخر لا يعدو كونه نسبياً في معظم الأحوال .
الاصل في فساد السلطة هو طبع الانسان . التجربة التاريخية لبني البشر أسقطت نظرية ارسطو طاليس بان " الانسان مدني بطبعه" . الفلسفة في آخر نظرياتها واكثرها رواجاً ترى الانسان غير مدني بالطبع وانما يصير مدنياً بالتطبيع . لان طبعه قائم على التنازع والتنافس القائم على تفضيل المصلحة الخاصة وحب الذات والسعي للاستحواذ والسيطره .
المعارضة في الانظمة الديمقراطية هي غيرها عندما تنتقل الى السلطه . ومن في السلطة هم غيرهم عندما ينتقلون الى المعارضه . وضابط الايقاع هو العقد الاجتماعي والمستوى الديمقراطي وتقاليد تداول السلطه . بدونها تعود الحياة السياسية في المجتمع وسلوك السلطة والمعارضة الى طبع الانسان الاول من تنازع وتنافس تحكمه المصلحة الشخصية وتتحول حياة المجتمع الى صورة عبثية ومسرحية من اللامعقول .