خَضعَ المَسرحُ السياسي الاقتصادي لمُعظمِ دول العالم التليدةِ مِنها والناشئةِ لصراعٍ محموم بين نظريتين نقيضين: النظريةِ الرأسماليةِ وهي الاقدمُ، والنظريةُ الاشتراكيةُ الثَائرةُ عليها. تدعو النظريةُ الرأسماليةُ الى أن يُتركَ للقطاع الخاص على اختلاف مستوى تنظيماته تملك وسائل الانتاج وان يترك تخصيص الموارد وتوزيعها لقوى السوق الحرة وألياتها، حالَ توفرِ شروطِ المُنافسةِ الكاملةِ. وتبررُ هذه النظريةُ دعواها تلك بان ذلك كفيلٌ بوضعِ الاقتصاد الوطني على أقصى واعلى درجات الاستغلال الامثلِ للموارد بسبب تَحققِ الكفاءة الاقتصادية حسب نظرية بريتو للكفاءة، أي عدم وجودِ مواردَ معطلةٍ أو مهدرة. أما النظرية الاشتركية الماركسية اللينينة فتدعو الى ضرورة إحتكار الحكومات لكافة الموارد ولوسائل الانتاج والتوزيع. المبررُ الذي إعتمدهُ واضعو النظرية الاشتراكية لتسويقها، هو أن تحقيق العدالة وتقليصِ الفوارقِ في الثروةِ والدخلِ بين الافراد أهم وأولى مِن تحقيق الكفاءةِ الاقتصادية. مُعظم المُتابعينَ والمُهتمينَ بالشأن العام يعرفونَ نَتيجةَ المبارزةِ التي استمرت سبعة عقودٍ كاملةٍ وكيف سَقطت نَظريةُ الاحتكارِ الاقتصادي بالضربةِ القاضيةِ وانقشع غُبارُ الانظمة السياسيةِ التي تَبنتها. فعلى عكسِ مزاعم الانظمة الاحتكارية أنها الضامنةُ لازالةِ مَظاهرِ الاستبدادِ والقمعِ وغيابِ العدالة في توزيع الثروة والدخل وكذلك أسبابها لم تستطع تحقيقَ العدالةِ ولا الكفاءة ولا حسنت مستوى معيشة الطبقات الكادحة، بل زادت بؤسَهم ووسعت دائرة الفقرِ واستبدلت البُرجوازيةَ الاقتصاديةَ بِطبقة بُرجوازية جديدة مُركبة من البرجوازية الحزبية والبرجوازية العسكرية، أي أنماطاً جديدة من الاستبداد والتسلط والاستحواذ أشد سوءاً وأبشعَ مظهراً وجوهرا. ومَرجعُ ذلك أن الانظمة الاشتراكية بِخلاف الانظمةِ الرأسماليةِ، أنظمةٌ شُموليةٌ تنتشرُ وتتمددُ في جِسم المجتمع كما السرطان وتفعلُ فِعلهُ. بل إنها أسوأ من السرطان لأن على المبتلى بالانظمة الشمولية الديكتاتورية أن يَتقبلَ مزاعمَ الحكومةِ أنها الترياقُ وليس المرض. بالمقابل يحظى مُواطنو الدولِ الرأسمالية باعلى مُستوياتِ المعيشة والرفاهيةِ والرعاية. كما أن الطريقَ مَفتوحٌ أمام أي فردٍ أن يُصبحَ مليونيرا أو مليارديراً كما هي مفتوحة لسقوطِ الاغنياءِ في حفرة الافلاس. الجسر للنجاح أو الفشل في ظِل الرأسمالية هو الجهد الشخصي والمُثابرة والذكاءُ والكفاءة.
لم يقتصر التناقضُ والصراعُ بين الفريقينِ على الشأن الاقتصادي بلْ كَانَ شَكلُ التنظيمِ السياسي وأدواتُهُ في الصَميم. رَافقَ القُبولُ بِمبدأ المُنافسةِ الاقتصاديةِ الكاملةِ عندَ دُعاة النظريةِ الرأسماليةِ، القبولُ بِمبدأ المُنافسةِ السياسيةِ الكاملةِ وتوفيرِ شُروطها. وقدْ تمَ ترجمةُ هذا المبدأِ الى واقع وممارسة من خلالِ عِدة معاييرَ منها حُريةُ التعبير شِبهِ المُطلقةِ وحُريةُ التجمُعِ وحُريةُ تشكيلِ الاحزابِ السياسيةِ وأن تكونَ الابوابُ مُشرعة أمام الراغبينَ بِالانضمامِ إليها دونَ قُيودٍ أو خوفٍ من عِقاب، وحَصرِ تداول السُلطة بينها. وهذا يتطلب حتميةِ وحُرية التنافسِ بين الاحزابِ السياسيةِ على أصوات المواطنين، وأن يُمَكنَ الحزبُ أو إئتلافُ الاحزابِ، الحاصلِ على أكثرِ الاصواتِ في انتخاباتٍ شفافة ونزيهة، مِن تَسلمِ الحُكمِ وإدارةِ الدولة. هذا يَعني بالمُحصلةِ أن الفُرصَة مُتاحةٌ لاي مواطنٍ يتمتعُ بقواه العقليةِ ومُستوى مقبولٍ من المؤهلات والخبرات أن يُنتخبَ رئيساً للجمهوريةِ أو نائبا في البرلمانِ أو وزيرا. أما الانظمةُ الاشتراكيةُ فقد حَصرتْ العملَ السياسي بِحزبٍ واحدٍ هو الحزبُ الشيوعيُ في الاتحاد السوفيتي وبقية دول شرق اوروبا وكوبا وكوريا الشمالية وفنزويلا، وَحِزبيْ البعثِ والاتحاد الاشتراكي في الدول العربية. هناكُ اختلافٌ جوهريٌ بينَ النظامِ الرأسمالي والنظامِ الاشتراكي مِن حيثِ دورِ الحكومة. ففي حين يَتعاملُ النظامُ الرأسماليُ معَ الحكومةِ على أنها شرٌ لا بُدَ مِنهُ وأن القليلَ مِنها أنفعُ وأسلم. تُؤمنُ النظريةُ الاشتراكيةُ بِمبدأ الشُموليةِ والسيطرةِ الكاملة والتخطيطِ المركزي لكافةِ نَشاطاتِ المجتمع. وأن الدولة تَعرفُ كُل شئ بينما يَجهلُ المواطنُ كُلَ شئ. أسفرت نتيجةُ الصراعِ عن إندحارِ الاتحاد السوفيتي وبقيةِ الانظمة السياسيةِ الشيوعيةِ كما سقطت الانظمةُ العربيةُ التي تبنت شعاراتِ الاشتراكية واحتكرت السلطة من خلال وجود حزبٍ وحيدٍ شمولي التفكير والادوات. بِالمُقابلِ استمرتْ وتنامتْ إقتصاداتُ وقوةُ ونفوذُ الدولِ التي تتبنى التعدديةِ السياسةِ وحُريةِ التنافسِ بينَ الاحزابِ والاحتكامِ الى أصواتِ المواطنين، والمُنافسةُ الاقتصاديةُ ومنعِ الاحتكار .
ماذا عن الاردن؟ تبنى الدستورُ الاردنيُ مَبدأ الحُريةِ الاقتصادية، وتم سنُ قانونِ منعِ الاحتكار في المجال الاقتصادي. أي أن الاردنَ ليس بلدا اشتراكيا. كما أقر الدستور أيضا مَبدأ الُمنافسة السياسيةِ حيثُ سُمحَ في المادة 16 بتأسيسِ الاحزابِ السياسيةِ والجمعياتِ والنقابات. وفي المادة 15 على حُريةِ التعبير، وفي المادة 6 على أن جَميعَ المواطنين مُتساوونَ أمام القانون. كما نصت المادة 22 على حقِ الاردنيين دون تمييز بتولي الوظائف والمناصب العامة. السؤال الثاني: ماذا عن التطبيق؟ في المجال الاقتصادي نَجدُ سيطرتَ شركاتٍ مُحتكرةٍ على المفاصل الرئيسيةِ للاقتصاد ردحا من الزمن كمصفاة البترول وشركة الاسمنت الى ان تم الانتقال إلى سَيطرةِ القِلة. هذا التطور في العدد لم يغير من واقع ومدى الاحتكار واضراره اذ تتسببُ قلةُ العدد الى انتفاءِ المُنافسةِ الحقيقيةِ والاتفاقِ غير المقدس بين الشركات على المستهلك من حيث كمية الانتاج ونوعيته وسعره، وهذا مَبدأٌ اقتصاديٌ معروفٌ وثابت. نفسُ التوصيفِ ينطبقُ على إدارةِ الدولة. فالوجوهُ هي هي، كلها تنتمي الى حزب الدولة الوحيد المسجل في دائرة الاحوال المدنية وديوان العشائر ووزارة الخارجية وشؤون المغتربين وليس في وزارة التنمية السياسية. َفتغييرُ الحُكوماتِ لا يختلف عَنْ تغييرِ الحَيةِ لِجْلدِها أو تَغيير الحِرباء للونها. كما أنه لا يُغيبُ أفرادُ هذهِ الطبقةِ عنِ المناصبِ العامةِ الا الموت. حَتى الموتُ يتيهُ في الطُرقاتِ ولا يصلُ إلى كِبارِ المسؤوليين إلا في التسعيناتِ من العمر. وعِندما يَنقرضُ أحدُهم يُصبحُ موقعه على قائمة الاملاك المورَثَةِ لابناءه. ألاحزابُ الاخرى البرامجية المنتمية للوطن وللمستقبل مَحظورة بالقانون العرفي حتى بعد الغائه لانه تقدس فاصبح القانون الواقعي. في العادة يٌخصصُ عَددٌ مِن المواقعِ الهامشيةِ للغُرباء عن قائمة مَساميرِ الصحنِ واصحابِ المجدِ التَليدِ المتوارث. أي من غير المسجلين في قائمة الحزب. لكن أمد هؤلاء يكونُ قصيرا حيثُ يتمُ إسقاطُ أحدهم مِن العربةِ في أقرب فُرصةٍ بعد أن يتمُ تَسييلُ لُعابهِ وإثارة غرائزهِ المنَاصِبيةِ، ثُمَ يُربطُ بِحبلٍ بِوَتدٍ على قارعةِ الطريقِ ليظلَ مُنتظرا طِوالَ عُمره لعلَ العَربةَ تتوقفُ لهُ فتُقلهُ مَرة أُخرى ولكنْ نَادراً ما يحدثُ ذلك. يستعبدهُ الاملُ لانهُ سَبقَ وأن إستعبدهُ فتات المكاسب. وفي المُقابلِ يظلُ العقلُ كَسيراً والارادةُ مَرهونة والقلبُ واللسان يُسبحانِ باتجاهينِ مُتعاكسينِ في مُستنقعِ النِفاقِ الآسن. واخيرا، أنقلُ عن الزميلِ والصديقِ د. عبدالله النقرش تعبيره "عندما ينتشر التجاوز كظاهرة في بيئة ما، لا يعود ينفع معه التذمر أو الشكوى أو حتى القفز من القارب". المهم ان نعرف الى ماذا أوصلنا احتكار الاقتصاد واحتكار السلطة في الاردن؟ الجواب: اعتماد ازلي على التسول للدول الاخرى للحصول على المساعدات والقروض مقابل تنازلات سيادية متزايده، الفشل في تحقيق معدلات نمو اقتصادي حقيقي موجبة، مما أنقص حصة الاسرة الاردنية المكونة من خمسة افراد من الناتج المحلي الاجمالي الحقيقي بما لا يقل عن الف دينار سنويا عما كانت عليه عام 2008 وما لا يقل عن الفين وخمسمائة دينار عما يجب ان تكون عليها فعلا لو كان هناك نمو حقيقي صاف بمعدل 3% سنويا منذ ذلك التاريخ وهي نسبة ليست بالعالية، ولكن لا نريد ان نطلب من حكوماتنا المتهالكة اكثر من ذلك، مديونية عالية تتجاوز 250% من الناتج المحلي الاجمالي. هذه المديونية، حتى ولو كانت ربع المبلغ الحالي فانها غير مبررة وغير مقنعة ولا يعرف الشعب وخاصة دافعو الضرائب لا أين ذهبت ولا على ماذا انفقت، فساد يتكلم فيه وعنه الجميع داخل الاردن وخارجه ولكن لا مقلم لاظافره، بطالة تصل الى 30% بين الشباب، فقر متزايد لا تقل نسبته عن 50% لم يسلم منه معظم موظفي الحكومة من غير ابناء اعضاء الحزب وافراد وضباط القوات المسلحة من رتبة عقيد فما دون، تراجع المستوى التعليمي الى مستوى اصبح هداما لحاضر الاردن ومستقبله، تردي الخدمات الصحية في كافة المرافق العامة بما في ذلك المستشفيات الجامعية مما اضاع مصدرين لتميز الاردن الاقليمي ونموه الاقتصادي، تحكم الجهاز البيروقراطي باسلوب ونوعية وسرعة تقديم الخدمات الحكومية للمواطنين، وانتشار سلوكيات اللامبالاة والاهمال والمحسوبية والجهوية والعشائرية بين منتسبيه، اتساع الهوة بين المواطنين ومن يتم فرضهم عليهم كممثلين سواءا في السلطة التشريعية او النقابات او البلديات بموجب انتخابات غير نزيهة وغير شفافة ولا تعبر عن تفاعلات مجتمع متحضر مدني، اتساع فجوة الثقة والتواصل بين المواطنين والسلطة التنفيذية التي لم تعد تكترث لمطالبهم ولا لارائهم، توقف قطار التطور الحضاري والتكنلوجي بعد ان ازيلت خطوط السكة من امامه ومنع عنه الوقود ووضع خلف المقود سائق سفيه. يقول الله في القرآن" ولا تؤتوا السفهاء اموالكم". كما يقول " ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا، هل يستوون.... وضرب الله مثلا رجلين أحدهما ابكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه اينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوى هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم".