هوية الوطن .. أم الهوية الوطنية؟!
23-04-2009 08:13 AM
ليس هنالك بلدٌ عربي، أو شرق أوسطي، لا تخضع هويته الوطنية، سياسياً واجتماعياً وثقافياً، إلى امتحان شديد، ومنذ سنوات. وهو امتحان مرشحٌ، ولأسباب كثيرة، إلى التحول إلى محنة، نظراً لاستهانة العابثين بالفكرة، سابقاً وحالياً، واستسهال السياسيين لمسألة توظيفها والاستفادة منها، خدمة لأزمات سياسية، عابرة أو جذرية.
الطامحون بالتغيير، في الشرق الأوسط، تنبهوا للأمر مبكراً، فكانت فكرة الهوية الوطنية، كفكرة منشئة وأساسية للأوطان العربية، الباب العريض والأوسع، لاستباحة أي تماسكٍ في بلدان الشرق الأوسط، بما فيها بلدان القارة العربية.
عربياً، قامت فكرة الهوية الوطنية لـالبلد على هوية أولى، تنتمي إلى عِرق أو قبيلة أو إثنية أو دين، وعلى هويات ثانوية، تنتمي إلى أعراق أو قبائل أو إثنيات أخرى. ما شكّل الأساس السياسي والثقافي، للبلدان التي تشكلت بالانفصال عن الامبراطورية العثمانية، المنهارة بعد الحرب الأولى.
وفي البلدان العربية، ازداد الأمر تعقيداً بالخضات والإزاحات الاجتماعية، نتيجة للحروب والانقلابات ومرحلة الاستقلال الوطني، التي تلت تلك المرحلة. ومن أبرز تلك الخضات ما أفرزته القضية الفلسطينية من تبدلات اجتماعية، في الجوار القريب وفي المحيط الأبعد.
وعلى الرغم من ذلك، فإنّ أزمة الهوية الوطنية، في البلدان العربية، هي في الأصل سؤال قائم بذاته، وتعود جذوره إلى الفكرة المنشئة له، حتى وإن جرى، في أكثر من حالة، وضع وابراز الكتلة الاجتماعية الفلسطينية عنواناً لها، بهدف اخفاء جوهر الأزمة، أو القفز عنها، أو تجنب مواجهتها بشكل جدي.
قبل أيام، قام الجنرال ايلكير باشبوغ، رئيس هيئة الأركان التركية، بإلقاء خطابه السنوي المعتاد. وكان متوقعاً أن يثير هذا الخطاب، كالعادة، أزمة بين الجيش والحكومة، عبر ما يتناوله من اختلافات سياسية بينهما، بشأن هوية الدولة التركية. وهو ما لم يحدث هذه المرة، رغم أنه جاء ضمن احتفال تركيا، بمئوية أول انقلاب عسكري في الشرق الأوسط، الذي أطاح بالسلطان عبدالحميد الثاني، ومهّد الطريق للإطاحة بالسلطنة العثمانية كلها، بعد الانقلاب بسنوات قليلة.
وبقدر ما كان خطاب الجنرال باشبوغ تلميحاً، إلاّ أنه كان مباشراً وصريحاً. فلأول مرة يتحدث القائد العسكري للجيش التركي عن هوية تركيا، وليس عن الهوية التركية.
واستخدم تعبير شعب تركيا بدلاً من الشعب التركي ما يعني نسبة الهوية إلى البلد والوطن الجامع، لكل الأعراق والمكونات، وليس إلى العِرق التركي. وكذلك نسبة الشعب إلى تركيا الوطن، وليس نسبة الوطن إلى فئة من الشعب، أي مغادرة ذهنية مركزية العِرق المؤسس للهوية الوطنية.
قيمة هذا الكلام، في تركيا، أنه يأتي من رأس المؤسسة العسكرية، التي ما تزال تمسك بمفاصل تكوين الدولة التركية الحديث. وهو كلام لم يأت إرتجالاً، بل ضمن حوارات وتفاعلات طويلة وعميقة، في سعي تركيا لإعادة إنتاج ذاتها، من الداخل، لتتمكن من رسم مكانتها العالمية من جديد، في عالم يتفسخ جسده عن جلد أفكاره المكونة لعالمه القديم.
ومن وحي كلام باشبوغ، هل يمكن عربياً التساؤل عمّا نريد فعلاً: هوية الوطن.. أم الهوية الوطنية؟!، بعد أن قمنا بإمتهان المفهوم، من كثرة استهلاكه، سواء في سياقاته الصحيحة أو الخاطئة..!.
FAFIEH@JPF.COM.JO
الراي.