جكر بالفجع .. فاصولياء بايتة!
حلمي الأسمر
18-05-2018 02:32 AM
-1-
نكاية و»جكر» بالفجع الذي يصيب القوم في رمضان، والزحف غير المقدس الذي شهدناه يوم الأربعاء وما سبقه، لاجتياح الأسواق والمولات، قررت وأسرتي أن نفطر أول يوم من رمضان وجبة كانت أم العيال أعدتها منذ أربعة أيام، وبقي منها ما بقي، واستقر في الثلاجة، وعليه، فطورنا أول يوم: فاصولياء بيضاء بايتة!
صحيح أنني أحب هذه الأكلة، وأن لها شعبية كبيرة في بيتنا، لكن الصحيح هو أن هذا القرار الذي جاء بالإجماع، هو تعبير حي عن القرف مما يصيب الناس من ترف في شهر هو أصلا للتقشف وتربية النفس وقهرها، لا تدليعها وبحبحتها وإغراقها بالملذات التي يستقر معظمها في حاوية الزبالة!
-2-
يستفزني كثيرا جدا تسلل تجار النخاسة تحديدا إلى مواسمنا فيسممون مشاعرنا إلى حد يكرّهوننا بواحدة من أجمل العبادات في ديننا: الصوم، فهو ممارسة دينية طبية إنسانية راقية، فيها من الفوائد ما عرف وما لم يعرف بعد، بل إن الصوم دخل قاموس الطب الحديث كعلاج لكثير من أمراض الروح والجسد، ومع هذا بتنا نشعر بضيق ما مع حلول هذا الشهر الكريم، لكثرة تزاحم المنتفعين والتجار ومنتهزي الفرص، مع العُبّاد والمتقين وطُلّاب المغفرة!
أكثر ما يستفز في تقاليد استقبال رمضان، استنفار قنوات التلفزة وتسابقها لملء ساعات بثها بما لذ وطاب من برامج الفجع وحك شهوة البطون، والتفنن في استقطاب كبار الطهاة، لتقديم أطباق يقال أنها رمضانية، وهي بريئة من هذه الصفة، لأنها لا تعدو كونها ضربا من الإسراف والبذخ الفاحش، الذي هو بالتأكيد ضد الصوم ومناقض له، ويرافق هذا نشاط محموم لنوع آخر من تجار رمضان، وهم الذين يجدون في الشهر موسما ثريا لتسويق بضائع كاسدة، أو منسية في مستودعاتهم، وتحقيق أرباح فاتتهم في أشهر أخرى، مستثمرين لعاب الجوعى من الصائمين الذين يدمنون التسوق، ولا دليل لهم في الشراء غير ذلك اللعاب السائل، وشهوة المعدة، التي يتقن حكّها تجار محترفون، يعرفون كيف يسحبون المشترين من ألسنتهم!
-3-
رمضان شهر كريم، ومع هذا ينشط فيه تجار النخاسة من أهل الفن وليس الفن كله كذلك، بل نخص بحديثنا فئة ضالة مضلة، تتفنن في حشو ساعات بث القنوات إياها بمسلسلات وأفلام بينها وبين رمضان وأجوائه سنوات ضوئية، بما تشتمل عليه من إسفاف وتزييف للتاريخ، واستنفار للشهوات وهدر الوقت بحجة الترفيه عن الصائم الغلبان، وهي في الواقع تسرق منه وقته وتقواه ودينه ودنياه، ولا يعود عليه من فائدة جراء مشاهدتها إلا ما يعود على مستهلك الخروب: درهم حلاوة وقنطار من الخشب، وهذا في أحسن الأحوال، إذ ربما لا تزيد الفائدة المتوخاة من بعض الأعمال الفنية المعروضة في رمضان عن أكل الصائم للزقوم والعلقم الذي هو حاصل جمع ذلك الفيلم أو المسلسل!
الأسوأ من كل هؤلاء هم عن تجار الدين، و»نجوم الوعظ»، الذين ينتظرون حلول الشهر الكريم لتسويق بضائعهم هم أيضا، من باب أن الموسم موسم عبادة ودين وتقوى، ليستعرضوا على عباد الله مواهبهم في الحفظ وإعادة ترديد ما سمعناه ملايين المرات، وتكرار فتاوى أكل الدهر عليها وشرب، حتى إذا تعرض أحدهم لموقف استحق بعض الرجولة اختفى مدعيا أنه لا يفهم بالسياسة، أو اصطف في جانب الظلمة والطواغيت!
الدستور