كل رمضان يذهب وزير الصناعة التجارة ،مسرعا الى ركن «الدواجن» فيقرر وضع حد أعلى لأسعارها ودائما يحذر بأشد العبارات من تجاوز هذا الحد ... يا معالي الوزير أسعار الدجاج في السوق أقل من الحد الأعلى الذي وضعته لهذه المادة .. عرفت لاحقا أن الوزير نزل عند رغبة ولا أقول ضغوط نواب وحماة المستهلك لتحديد سعر مادة لم ترتفع .
شخصيا أؤيد تحوط الوزير وإستباقه لأي إرتفاع مرتقب على سعر الدجاج -كما يحدث في كل سنة - لكن ما أرغب في أن يحسب الوزير حسابه هو أن لا يقوده التجار الى هذا العنوان للتغطية على أسعار سلع أخرى إرتفعت دون أن يلاحظها .
في كل مرة تحاول الوزارة تحديد أسعار سلع نراها تتراجع الى ما دون السقف الذي حددته ليس بفضل تدخلها في اليات السوق بل بفضل عودة الطلب الى طبيعته.
ومعروف أن إرتفاع الأسعار أو تراجعها في السوق هو إستجابة لاليات العرض والطلب التي يجب أن تترك لتأخذ مداها الى أن تعتدل فتتوازن الأسعار وقد حدث هذا مرات عدة على مر السنوات الماضية في أشهر رمضان المبارك وفي غيرها وهي تجربة لا تحتاج الا الى الإستفادة منها بعدم التحسس والإستعجال لخفض الأسعار عنوة , كما يحدث في
موضوع الدواجن الذي يباع اليوم بأقل من سقف حدده الوزير .
• في رمضان أيضا تستنفر كل القوى لاستقباله بينما تنشر أجهزة الرقابة عبر إعلانات الاستعدادات « الرعب « في أوساط المستهلكين , ودون أن تقصد تبالغ في إطلاق التحذيرات للتجار من التلاعب ورفع الأسعار , وهي بذلك تهيئ لأجواء مشحونة بأنباء الاستغلال والأسعار المرتفعة , وتزرع في ذهن المستهلك بذور الشك في نوايا التجار .
في رمضان فقط تتدخل الحكومة بكل قوتها لمنع ارتفاع الأسعار فتقرر فجأة أن تكون إشتراكية تحدد سلعة وتضع سقفا لأخرى وبينما تشكو عبء كلفة الدعم تشجعه بطرق غير مباشرة إرضاء لشارع تهافت فرفع الطلب فزاد الأسعار .
• ومرة أخرى في رمضان أيضا تستعد مؤسسات القطاع العام المعنية بالتعامل المباشر مع المستهلك لاستقبال الشهر المبارك كمن يستعد لمعركة عنوانها الأسعار وطرفاها التاجر والمواطن وميدانها الإستهلاك.
إن كان المقصود من الإستنفار هو ضبط إيقاع السوق والعودة به الى أجواء المنافسة الحقيقية التي تقود الى تخفيض الأسعار , فثمة أدوات يمكنها تحقيق ذلك وما على الحكومة سوى تفعيل قوانين المنافسة ومنع الاحتكار لجعل البيئة ملائمة أمام التجار ليقوموا بالدور المفترض أن تقوم به الشركة , و الحكومة في حال قررت لعب هذا الدور
فان عليها أن تلعبه بكل حلقاته , وهو دور مكلف وغير مجد في ظل أزمة تعيشها المالية العامة.
• وفي رمضان أيضا تتبارى إذاعات في بث برامج الفتاوى وتستأجر شيوخا لبقين وكلهم كذلك لهذه البرامج حيث تنهال أسئلة المهتمين وبطبيعة الحال جلها يتعلق بالصيام.
طبعا هذا هو الميدان ولا غيره حيث يسرع الشيوخ الى الإجابة عن أسئلة الناس عن المفطرات .. حسنا لا بأس ولا لبس في ذلك لكن بعض شيوخنا الأجلاء يحبون كثير الإسترسال في الإجابة عن أسئلة تتعلق بقطرة العين وما إن كانت لو تقطر بها الصائم ستجد لها سبيلا عبر الحدقة ومنها الى الحلق ومنه الى الريق قبل أن تستقر في المعدة.
ليت شيوخنا يتفرغون هذه المرة للحديث عن الإحترام الذي خف وعن الإبتسامة التي ذهبت وعن العفو الذي تبدل قسوة وعن الأخلاق التي أصبحت مثل بضاعة مغشوشة وعن الصدق الذي أصبح نفيسا وعن التسامح الذي تحول غلوا وعن الفضيلة التي صارت تجارة.
الرأي