الاتفاق النووي الايراني مع مجموعه ٥+١
اللواء المتقاعد مروان العمد
17-05-2018 12:34 PM
بعد ان اقتربت ولايه الرئيس الاميركي السابق باراك اوباما على الانتهاء دون ان يترك بصمه واضحه على اي ملف من الملفات الدوليه فقد اصبح هاجسه التوصل الى اتفاق من شأنه ان يُخضع النشاط النووي الايراني للمراقبه المشدده التي تضمن عدم تصنيعها للسلاح النووي . وبعد كثير من الاخذ والرد فقد عُـقدت مفاوضات مراثونيه في مدينه لوزان السويسريه في الفتره من ٢٦ آذار لغايه الثاني من نيسان عام ٢٠١٥ بين ايران من جهه وكل من اميركا وفرنسا والمانيا وبريطانيا وروسيا والصين من جهه أخرى ، من اجل التوصل الى تسويه شامله تضمن الطابع السلمي للبرنامج النووي الايراني مقابل الغاء جميع العقوبات عليها.
وقد صدر على اثر هذه المفاوضات بياناً مشتركاً يتضمن تفاهماً وحلولاً فيما يتعلق بهذا البرنامج على ان يتم انجازه في نهايه حزيران من نفس العام.
وفي الرابع عشر من تموز من نفس العام اعلنت المفوضه العليا للسياسه الاوروبيه الخارجيه والامنيه فيديريكا موغريني ان المتفاوضين بشأن البرنامج النووي الايراني توصلوا الى اتفاق خلال الاجتماع الذي عقد في العاصمه النمساويه ڤينا والذي عرف فيما بعد بالاتفاق النووي الايراني ومجموعه ٥ + ١
والذي تضمن عده بنود اهمها
١ - استمرار المنشآت النوويه في ايران في العمل ومواصله عمليات التخصيب وابحاث وتطوير اجهزه الطرد المركزي ولمده عشر سنوات وبما يتفق مع خطه ايران لانشطتها في هذا المجال لغايات البحت والتطوير والاستخدام السلمي .
٢ - السماح بدخول المفتشين الدوليين الى جميع المواقع النوويه الايرانيه المشبوهه بتطوير الاستخدام النووي لغايات عسكريه بما فيها المواقع العسكريه
٣ - السماح لايران بتصدير منتجات نوويه كاليورانيوم المخصب لغايات سلميه .
٤ - رفع العقوبات الاقتصاديه والماليه الاوروبيه والاميركيه المفروضه على ايران والافراج عن مليارات الدولارات من الارصده الأيرانيه المجمده نتيجه عمليات الحصار والمقاطعه لايران السابقه
٥ - رفع حظر السلاح عن ايران بحيث يسمح له باستيراد وتصدير الاسلحه ضمن شروط وظوابط وردت في هذا الاتفاق .
وقد رحبت جميع الاطراف والمجتمع الدولي بهذا الاتفاق وقد وصفته واشنطن بالتاريخي واعتبره اوباما اهم انجازات فترتي رآسته .
ولقد استمر الوضع على حاله الا ان جرت انتخابات الرآسه الاميركيه في شهر تشرين الثاني عام ٢٠١٦ والتي اسفرت عن نجاح الرئيس الاميركي الحالي دونالد ترامب والذي كان من ضمن برنامجه الانتخابي تعديل الاتفاق النووي المذكور او الانسحاب منه والغائه واصفاً هذا الاتفاق بأنه الاسوء بتاريخ بلاده وانه لم يمنع ايران من الاستمرار في نشاطاتها النوويه وان رفع العقوبات عنها ورفع الحظر عن ارصدتها الماليه والسماح لها بأستيراد الاسلحه قد اتاح لها الفرصه لفرض هيمنتها على المنطقه وامتداد نفوذها وتمويلها للتطرف والارهاب .
ومنذ ان تولى ترامب مسؤولياته الرآسيه وهو يعمل على تنفيذ هذا البند من برنامجه الانتخابي والذي تبين انه نفذ او يعمل على تنفيذ جميع ما ورد فيه ليكون أول رئيس امريكي يفعل ذلك بالرغم مما احتواه هذا البرنامج من افكار وبرامج وخطط متطرفه وغير معهوده .
وترامب بالنسبه للبرنامح النووي الايراني ودعوته الى تعديله او الغائه وتهديده بالانسحاب منه يسعى لتحقيق مجموعه من الاهداف منها : -
١ - استمرار تجميد مليارات الدولارات الايرانيه في امريكا او حتى مصادرتها والاستيلاء عليها
٢ - فتح باب السباق النووي في منطقه الخليج العربي لكي يستمر في ابتزاز دوله من خلال نشر الرعب من النشاط النووي الايراني وحاجه هذه الدول الى اميركا لحمايتها من ايران او حتى بيع دوله مثل هذا السلاح اذا تتطلب الامر ذلك لايجاد توازن الرعب في المنطقه الامر الذي عبر عنه عادل الجبير وزير خارجيه السعوديه بقوله بأنه اذا ملكت ايران السلاح النووي فأن السعوديه ستعمل على الحصول عليه . وحيث ان تصنيع هذا السلاح سعودياً يحتاج الى سنوات طويله من الأعداد والتجهيز فأن البديل هو شراء هذا السلاح جاهزاً وبعشرات المليارات ان لم يكن اكثر ومن الولايات المتحده الاميركيه
٣ - اعاده فرض الحصار الاقتصادي والعسكري على ايران مما قد يؤدي الى خلق مشاكل واضطرابات فيها قد تؤدي الى اسقاط نظام الحكم .
٤ - التصدي للسياسات الروسيه والصينيه الساعيه الى التقرب من ايران وعمل تحالفات معها من خلال المقاطعه الاقتصاديه و نشر خطر اشعال فتيل حرب نوويه في المنطقه
٥ - خدمه الامن القومي الاسرائيلي وبسط سيطرتها وهيمنتها على دول المنطقه
٦ - ابقاء ايران والدول الخليجيه في المنطقه في وضع لا يسمح لها باستخدام مواردها من البترول في تنميه نفسها وبناء قوتها وامكانياتها الذاتيه واستنفاذ هذه الموارد على التسلح والذي هي مصدره
هذا ما بدى من اهداف وراء سعي ترامب لألغاء هذا الاتفاق النووي وقد يكون ما خفي اعظم . وقد بقي ترامب يعزف على وتر الغاء الاتفاقيه وبنفس الوقت اخذ هو وربيبته الصهيونيه باستدراج ردات الفعل الايرانيه لكي يستخدمها في تبرير انسحابه من الاتفاق ، فأخذ العدو الصهيوني يتعرض للمليشيات الايرانيه التي هبت الى سوريه لمساعده حليفها وصديقها بشار الاسد وليس لمحاربه دوله الصهاينه . فأخذت طائراته وصواريخه تقصف مواقعهم في سوريه بين الحين والآخر وسط تجاهل روسي الحليف الاقوى لنظام بشار الاسد لا بل موافقته الضمنيه ثم الصريحه على هذا القصف.
الا ان هذه المحاوله لم تنجح ولم تقم هذه المليشيات بالرد على ما تتعرض له من قصف بالرغم من تهديدها المستمر بذلك .
الى ان جاء يوم الثلاثاء الموافق الثامن من ايار عام ٢٠١٨ حيث اعلن ترامب بكل الصلف والغرور والتمثيل المسرحي ( الذي اعلن به تطويب القدس عاصمه لدوله الصهاينه ) الانسحاب من الاتفاق النووي مع ايران واعلن عزمه على اعاده جميع العقوبات التي كانت مفروضه على ايران قبل توقيع الاتفاق.
ولقد كان لهذا الاعلان ردود فعل واسعه
ففي حين قامت الولايات المتحده بالترويج لخطوتها هذه فقد ابدى خامنئي عدم ثقته بمعظم الدول الموقعه عليه . وحذر روحاني من ان بلاده قد توقف تطبيق القيود على انشطتها النوويه وتستأنف نشاطها في تخصيب اليورانيوم من غير قيود.
فيما اجرى ايمانويل ماكرون اتصالاً هاتفياً مع روحاني اتفقا به على الابقاء على الاتفاق النووي .
اما بوتين فقد اعلن عن قلقه البالغ حيال اعلان ترامب . اما الصين فقد دعت الى الحفاظ على الاتفاق واعربت عن اسفها لأنسحاب الولايات المتحده منه . في حين دعا وزير الخارجيه البريطاني بوريس جونسون الولايات المتحده الى عدم اعاقه الآخرين عن تطبيق الاتفاق . في حين تعهدت المستشاره الالمانيه انجيلا ميركل بقيام برلين وباريس ولندن بكل ما يلزم لضمان بقاء ايران في الاتفاق وانهم سيبقون ملتزمين به.
اما وزيره خارجيه الاتحاد الاوروبي فقد اعلنت انها سوف تلتقي مع نظرائها من المانيا وفرنسا وبريطانيا على ان ينضم لهم في وقت لاحق وزير الخارجيه الايراني . كما قالت ان الاتحاد الاوروبي مصمم على الحفاظ على الاتفاق النووي والذي اعتبرته اهم الاتفاقات الدبلوماسيه على الاطلاق .
اما مجلس محافظي الوكاله الدوليه للطاقه الذريه فقد وصف الاتفاق انه من افضل الاتفاقات التي تم انجازها وان ايران ملتزمه بتنفيذ كل بنوده وان نظام المراقبه التي تضمنه الاتفاق من اقوى نظم المراقبه واشدها وان ايران ملتزمه به.
وبهذا يظهر ان هناك اختلاف بين جميع الاطراف التي لها علاقه بهذه الاتفاقيه وبين موقف الولايات المتحده الاميركيه وهو اختلاف على خلفيه اقتصاديه حيث انه توجد شركات لهذه الدول تعمل في ايران كما تربطها مصالح وعقود تجاريه بمليارات الدولارات معها . وقد اعلنت هذه الدول انها لن تخضع للهيمنه الاميركيه بعد الآن وستحافظ على علاقاتها ومصالحها مع ايران . ولكن هل هي قادره على ذلك ثم هل هي مستعده او جاده بهذا الموقف ام هو مجرد توزيع ادوار ؟
من الوضح ان المصالح الاقتصاديه التي تربط هذه الدول مع الولايات المتحده اكبر بكثير من تلك التي تربطها بأيران كما ان توقيع الولايات المتحده العقوبات الاقتصاديه على الشركات التي تبقي تعاملها مع ايران بعد انتهاء مهله السته اشهر التي منحتها لها اميركا لقطع صلاتها مع ايران سيكون ضرره اكثر من ضرر ايقاف نشاط هذه الشركات في ايران . كما ان التشريعات والقوانين في هذه الدول لا تسمح بتعويض هذه الشركات عن الاضرار التي من الممكن ان تتعرض لها نتيجه للعقوبات الاميركيه مما يشير الى علامات استفهام كثيره حول امكانيه هذه الدول وقدرتها للتصدي للأجراءات الاميركيه.
اذاً ما هو تفسير هذا الموقف هل هو توزيع ادوار بينهم وبين الولايات المتحده بحيث انهم في موقفهم يهدفون الى ابقاء ايران ضمن هذا الاتفاق على اساس انهم متمسكين به وبنفس الوقت تقوم هذه الدول بممارسه ضغوطها على ايران بهدف القبول بتعديل الاتفاق بما يرضي الاداره الاميركيه ويعيدها الى الاتفاق مجدداً بعد ان تكون قد حققت هدفها ؟ . اعتقد ان هذا هو القرب الى الحقيقه.
هذا وعلى الأرض وبعد ان اعلنت الولايات المتحده الاميركيه انسحابها من الاتفاق انطلقت مجموعه من الصواريخ من الاراضي السوريه ولاول مره مستهدفه مواقع عسكريه اسرائيليه في منطقه الجولان حصراً ، قالت اسرائيل ان مصدرها المليشيات الايرانيه في سوريه ، وردت هذه المليشيات بأنه لا علاقه لها بهذه الصواريخ وان مصدرها الجيش السوري . وقد ردت اسرائيل على ذلك بهجمات صاروخيه وجويه متعدده على مواقع وقواعد عسكريه في سوريه قالت انها تابعه للمليشيات الايرانيه في حين انها قواعد عسكريه سوريه . وتردد ان اسرائيل كانت قد ابلغت روسيا عن عزمها القيام بهذه الضربات وحصلت على تعهد بعدم التصدي لها وان اعلن الجيش الروسي ان الدفاعات السوريه اسقطت نصف الصواريخ الاسرائيليه بالامكانيات الدفاعيه التي لديها والتي تعتمد على صواريخ اس ٢٠٠ القديمه والمحدوه الامكانيه ولتبرر تراجعها عن تزويد سوريه بصواريخ اس ٣٠٠ المتطوره نسبياً كما كانت قد صرحت ووعدت بأنها سوف تفعل ذلك وعلى اساس ان منظومه الدفاع السوريه كافيه للتصدي لهذه الصواريخ وكان ذلك قد تم اثناء ان كان نتنياهو يحل ضيفاً على بوتين.
ثم ما لبث صوت الصواريخ ان خفت ولكن المناورات السياسيه بقيت جاريه ولا زالت كل من بريطانيا وفرنسا والمانيا والاتحاد الاوروبي تعلن انها متمسكه بالمحافظه على الاتفاق وبقاء ايران فيه ولكنها لا تخفي سعيها لأجراء تعديل على بعض بنوده وبما يتفق مع المطالب الاميركيه.
وملخص القول ان ما يجري هي عمليات ابتزاز المستفيد الكبر منها هي الولايات المتحده الاميركيه وتليها ايران ( والتي يستبعد تعرضها لعمليات عسكريه امريكيه مباشره وفوق اراضيها وحصر اي عمليات عسكريه داخل الاراضي السوريه ) ، وربما يعطيها هذا الامر فرصه تحللها من القيود المفروضه عليها في هذا الاتفاق ، او قد يتيح لها فرصه ابتزاز الدول الاوروبيه الراغبه بالمحافظه على الاتفاق وبنفس الوقت تجنب العقوبات الامريكيه وذلك عن طريق حصولها على تعويضات ماليه ضخمه منها مقابل موافقتها على تقديم بعض التنازلات لهم بخصوص الاتفاق مع بقائها رجل المنطقه القوي.