سر تباطؤ التنمية والتوجه لجيب المواطن
أ.د. محمد الفرجات
17-05-2018 11:48 AM
قبل أن أبدأ مقالي، أرجو أن أوضح للحكومة الرشيدة بأن عوائد فروقات مبيع المحروقات لن تدوم طويلا، حيث أن السعر الذي يباع عليه محليا للمواطن سيكون هو السعر العالمي، وذلك في ضوء إلغاء الإتفاق النووي مع إيران، وزيادة التوتر بين الخليج وإيران، ولن تستطيع الحكومة حينها رفعه أكثر من سعره الحقيقي المرتفع أصلا إن أرادت أن تحافظ على حصتها، مع العلم بأن فروقات بيع المحروقات تشكل إيراد مباشر شهري للخزينة، يفرج على الحكومة في نفقاتها الجارية، وتغطية الرواتب.
لن نجلد ذاتنا كثيرا، فسوف نراجع معا بموضوعية التطورات التي فرضت علينا ظرفنا الإقتصادي الحالي، ومن ثم نناقش الحلول.
في النصف الأول من العقد الأول بعد الألفية الثانية تم خصخصة أملاك الدولة من مشاريع صناعية وإنتاجية وبعض الخدمية كالإتصالات والبريد، بهدف ترشيق القطاع العام الذي كان يعاني الترهل، وسد جزء من الديون من عوائد الخصخصة المالية، إضافة إلى تعريض قاعدة القطاع الخاص، والتحول الإقتصادي سيرا بنا نحو مراتب الدول المتقدمة، وللأسف فشل النموذج، فلا سددنا المديونية، ولا أبقينا على أملاك الدولة، ولا نتج لدينا قطاع خاص بالشكل المطلوب ليقود الإقتصاد الوطني.
بحث الخبراء والمستشارون في الفترة المشار إليها، ووجدوا أن قطاع تكنولوجيا المعلومات هو المستقبل، ووجهوا التعليم المدرسي والعالي بهذا الإتجاه، وقرروا بأننا لسنا منافسين صناعيا لعدم توفر الجودة والمواد الخام وإرتفاع أجور الأيدي العاملة، ولا زراعيا لشح المياه، فلم ننجح كما خطط له في قطاع تكنولوجيا المعلومات.
تم كذلك توسيع قاعدة الإستثمار، وتم إيجاد المدن التنموية والصناعية، وتم تحسين بيئة وقوانين الإستثمار لتكون جاذبة، وتم تدعيم البنى التحتية لهذه الغاية، وما زال الإستثمار غاية منشودة.
ما سبق لم يكن وليد قرارات عشوائية، بل بنصائح من مستشارين محليين وإطلاع على تجارب دول تماثلنا بالمساحة وعدد السكان وبعض الصفات الأخرى.
منذ ما بعد 2005 ومع دخول الأزمة الإقتصادية العالمية عام 2008 والربيع العربي عام 2011، وتوابعه في السنوات اللاحقة، ودخول الفترة الترامبية منذ عام ونصف، بدأت الأمور بالتراجع.
الناتج المحلي الإجمالي السنوي في دولة تعتمد بشكل كبير على الإستيراد سيبقى ضعيف النمو، وقد يتجاوزه مجموع الدين العام، وقد تحصل تبعات غير مرغوبة لذلك.
آفتنا هي المديونية المتراكمة، تلك التي لجأ إليها رؤساء الوزارات السابقون لتغطية العجز، أو لتمويل مشاريع مختلفة ليتزايد الدين العام بشكل مخيف، ونعاني اليوم صعوبة خدمتها أمام إرتقاع أسعار الفائدة العالمية، كما وأننا رددنا كثيرا آثار الربيع العربي داخليا وإقليميا على إقتصادنا، ولن ننسى تدني حجم المنح والمساعدات.
أمام مسلسل التعثر الذي دام عقدين منذ عام 2000 تجد الحكومة نفسها اليوم مضطرة لرفع الضرائب والرسوم والتراخيص والأسعار والإقتطاعات والغرامات والمخالفات وغيرها، وتسمية ضرائب أخرى، والتوجه لمحاسبة الأفراد والأسر على دخلها المتدني أصلا، حيث ستختفي الطبقة المتوسطة، مما سيجفف مصادر السيولة والإنتعاش في الأسواق وقطاع الخدمات، والذي تحدثه هذه الطبقة، مما سيحدث حالة غير مسبوقة من الجمود والتردي الإقتصادي.
المستشارين والخبراء الذين أشاروا على صانع القرار بما تم منذ عام 2000 هم مريدي المدرسة الأمريكية، والذين ما زلنا لليوم نتبع خطاهم، ونخشى من المزيد من التدهور.
الحلول موجودة لنخرج بسلام من هذا الخطر الحقيقي والذي يهدد أقتصادنا، والفرصة مواتية، وحوار الطرشان لن يكون بصالحنا، وليس للحديث بقية، فإن أرادوا فليطلبوها، فقد مللنا الحديث.