القضية لاتحتاج الى ضرب بالرمل , ولايوجد من يستطيع الزعم بأنه يمتلك معلومات بأن مجلس النواب يعد أيامه الاخيرة أو أن على الحكومة أن تحزم أورواقها أستعدادا للأقلاع الى المنزل , غير أن كل الظروف المحلية والاقليمية تقول بأن التغيير الكبير قادم أو مستوجب .
تتكرر محاولات الانتحار في مجتمعنا بعضها ينجح وبعضها يفشل وكثير منها لايعلن عنه , الا أن القاسم المشترك بينها جميعا الفقر والبطالة المؤديان الى اليأس , ولعلها ملاحظة ملفتة أننا ومنذ سنوات لم نعد نسمع عن أنتحار شاب أحب بنت الجيران فزوجها والدها الى أبن عمها رغما عنها , وتبدو لي محاولات الانتحار هذه على أنها قمة جبل الجليد الذي ظهر الى السطح , انها بالاضافة الى جرائم سطو نوعية حدثت مؤشر أولي على الازمة الطاحنة التي بدأت تعصف بالطبقة الفقيرة والمتوسطة على السواء في مجتمع بدأ ينقسم أفقيا ( قلة فوق , وكثرة تحت ) ترافق مع فقدان المؤسسات الدستورية ( مجلس النواب والحكومة ) قدرتهما على أمتصاص الازمات وأقناع الناس بالحلول الممكنة وعدالة تلك الحلول والقدرة على تنفيذها .
ومثلا حين يفترض أن يلجأ الناس الى مجلس النواب والحكومة لطرح قضاياهم المعيشية في وقت يقرأون في الصحافة أنشغال النواب برفع الرواتب والاعفاءات الجمركية , وقيام الحكومة بتحسين رواتب الفئة العليا من الموظفين بالاضافة الى تعيينات في المؤسسات المستقلة برواتب خيالية فانهم بدون شك يفقدون الشعور بالامان الاجتماعي بجانب المجلس والحكومة معا , وقد تكون بالفعل رواتب النواب منخفضة بالقياس الى كثير من الدول العربية وغير العربية , ولكن خطأ نوابنا هو التوقيت , وخطأ حكومتنا هو الاستجابة والتشجيع , وحتى في المؤسسات العامة المستقلة ماليا وأداريا فقد أنقسم الكادر الوظيفي أفقيا الى ( فئة فوق بارتفاع كبير , وفئة تحت بانخفاض حضيض ) فأنتشر التحاسد في المؤسسات والنتيجة ستكون عرقلة الاداء وأحباط المنجزات .
وتعبر القوى السياسية في البلد بين وقت وأخر عن عدم ثقتها بتمثيل مفرزات الانتخابية النيابية للشعب من الناحية العملية في ظل اللغط الكبير والتجاوزات الفادحة التي رافقت عملية الانتخاب وتطالب في كل مناسبة بانتخابات نيابية جديدة حيادية وشفافة , ولايبتعد عن الحقيقة القول بأن حكومة الدكتور معروف البخيت سارت على خطى جيدة ومتواصلة الى أن تعثرت بشدة مرتين , الاولى أدارة عملية الانتخابات النيابية , والثانية أتفاقية الكازينو .
وهناك من يقول أن مجلس النواب لم ينجح حتى الان في أن يكون رافعة للعمل السياسي أو أداة رقابية فاعلة ولا يتوقع له أن ينجح فقد قطع الخطوط مع القواعد الشعبية , وتوترت علاقته مع الصحافة وأدار ظهره للأحزاب السياسية .
أما على الصعيد الاقليمي فان تحرك الادارة الامريكية باتجاه حل للقضية الفلسطينية يقوم على أساس الدولتين , وتولي حكومة نتنياهة الحكم في أسرائيل برؤية على النقيض من الرؤية الامريكية يعني أن الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي من خلفها سيصطدمان مع نتنياهو , وحتى يستفيد العرب من الموقف الجديد فلابد أن يكون هناك موقف عربي موحد وأستقرار داخلي .
الاردن أكثر الدول المحيطة بأسرائيل حاجة الى الاستقرار والتماسك الداخلي خلف السياسة الخارجية , وفي هذا يقول رأي بأن الاستقرار والتماسك الداخلي يحتاجان الى أعادة ترتيب البيت الاردني , ولايمكن أن يبدأ ذلك الا من خلال مجلس نواب جديد تتمثل فيه القوى السياسية والحزبية والعشائرية بعدالة ونزاهة وحكومة جديدة تقوم على أكتاف سياسيين مخضرمين , رجال دولة ينظرون الى المستقبل , وضبط داخلي متقن في المجالات المالية والادارية وأستقلال حقيقي في الجهاز القضائي , وتغيير هيكلي في الاعلام الوطني .
ان الاستقرار الداخلي المشار اليه هو الورقة القوية الاولى في مواجهة أستحقاقات السياسة الامريكية الجديدة في المنطقة , وربما أيضا أحتمالات أن يقوم الاسرائيليون بخلط الاوراق فجأة في وجه أوباما من خلال تفجير الملف الايراني سواء مباشرة مع أيران أو بصورة غير مباشرة مع حزب الله وسوريا .
وفي سياق التكهنات المتداولة محليا فان هناك من يقول أن الشهر القادم سيشهد بداية التغييرات الداخلية , ويصل الامر الى حد القول أنه لن تكون هناك دورة أستثنائية لمجلس النواب لأن حل المجلس على الابواب ولن تستكمل الحكومة الحالية الحوار حول مشروع الاقاليم لأنها ( مودعة ) , ولكن أحدا لاينكر أن الافق يزدحم بالسحب التي تحمل أمطار التغيير وأعادة ترتيب البيت الداخلي .
الحراك السياسي يؤدي الى حراك أجتماعي وأقتصادي , هذا ما يقوله أحد السياسيين عند الحديث عن حل مجلس النواب وتغيير الحكومة , ويرى أن السياسة الداخلية لأستيعاب الازمة المجتمعية تستدعي تحريك الركود السياسي وأشغال المجتمع كله بالاستعداد لأنتخابات نيابية وحكومة جديدة .