تمر فلسطين اليوم بمحنة لا تقل عما مرت به من محن عبر تاريخه الذي ما حلت نازلة بفلسطين إلا وكانت الأردن هي السند الذي يبذل لها ويضمد جراحها، فما وهنت فلسطين يوماً إلا واشتد العزم المؤمن هنا.
ففي أدوارها كافة، كان الأردن الحاضر الأقرب جغرافيا وبذل لأجل فلسطين، فالأردن الذي آمن بعدالة قضيته تجاه فلسطين بصونها بعيداً عن تجاذبات العرب الداخلية أو صفقاتهم على أي مستوى أثبتت نظرته ورؤيته صدقها.
فالأردن سار إلى الدفاع عن الأرض عام 1948 متقدماً على الجميع في لحظة كان صوت البعض يعلو نحو فلسطين وقلبه ليس معها، فالأردن في سيفه وقلبه كان مع فلسطين جيلاً عبر جيل.
واليوم والأردن يعيد تعريف المواقف جميعها عربياً وعالمياً مؤكداً على عروبة القدس ليقينه أن هذه فرصة أخيرة للسلام في المنطقة ، ولتثبيت عروبة فلسطين، عبر عمادها وحاضرتها القدس، فالفرصة إن ضاعت هذه المرة لن تعود إلا إذا حصل تغير يتجاوز حدود معطيات الحاضر، أي إلى أن يأتي جيل عربي آخر يحاول اعادة الحق.
فالقضية اليوم ليست شكلية بل هي عميقة، والاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل إن تبعه تثبيت يهودية الدولة، فهذا معناه أن القدس ستكون لأول مرة في تاريخها عاصمة لديانة، وسنكون أمام واقعٍ يحتاج إلى سنين طويلة لتصحيح مساره.
فالولايات المتحدة اليوم وضعت أوزارها جميعاً للضغط على الشعب الفلسطيني في سبيل نسيان حقوقه المغتصبة، والأردن من ورائه كان له مداداَ بمشاعر صادقة لتكرس حالة أردنية تاريخية من الدفاع عن الشعب الفلسطيني وحقه.
وهذه اللحظات التاريخية التي تمر بها القضية الفلسطينة ، يصدق قول ما أشبه اليوم بالأمس.. فالأردن يعيد انتاج ذات الموقف منذ تأسس في كل لحظة أن فلسطين وشعبها وشرعية مقدساتها يجب أن تبقى عربية ..
والمواقف الهاشمية التي بقيت ثابتة على منازلها أثبتت أن الشرعية في الفهم العربي هي التي تصون الحقوق، لان الشرعية تستمد من تاريخيتها فهما للوجدان العربي وآمال شعوبه .
وصحيح أن الأمة وهنت والمواقف توارت خلف مصطلحات فضفاضة من قبل أشقاء كثر، وغاب الوسيط المنصف، لكن هذه اللحظة التاريخية أثبتت الحاجة الى فرز المواقف عربياً، وكتابة سطور ما يجري بدقة لتدرك أجيال قادمة أن الحقوق لها أهلها والمواقف لها أصحابها ... !