هل كان سيكفي أن تلكم وجه الحيط بقبضتك الراعشة، وتلطم دفة الباب من وجع كلما ازداد عدد الشهداء في نكبة بذكرى النكبة؟!. هل سيكفيك ألا تأكل شيئاً، وتغص ببعض الماء في يوم القدس؟!.
هل يكفي أن تبكي لتتطهر من قهر علق بحبالك الصوتية بعد صرختين مباغتتين؟!!. هل سيكفي أن تشارك بمسيرة صاخبة، فتضيع حشرجاتك بين جماهير دافئة حدَّ التعرق؟!. هل سيكفي أن تحمل شعاراً من كلمات غاضبة لا تقرؤها إلا حدقات الكاميرات وعما قليل سيذهب أدراج النسيان؟!.
هل سيكفي أن تتسمر أمام شاشة التلفاز حتى الفجر تجوب الفضائيات المتلعثمة بلطخات أخبار العدوان؟!. هل سيكفي أيها المسكين أن يتحول حبر الصحف إلى دم يعلق بالأصابع، فتمسحه لتكتب عن الحب زمن الحرب؟!. هل سيكفيك أن تتساءل أيها الرومانسي في زمن البلادة والبرود العالمي عن ذلك الذي سيسقط وراء الحرب. وهل ما زلت تؤمن أن الحرب والحب يخرجان من حنجرة واحدة؟!.
هل سيكفي أن تتلو قصيدة من زمن العنفوان، أو قصيدة عيوننا إليك، أو تسترجع ما كتبته قبل أكثر من ربع قرن عن دموع كانت تتحول إلى حجارة بأيادي الأطفال الأبطال؟!. هل سيكفي أن تبتكر مسرحاً مختلفاً، تكون فيه المشاهد الوحيد، والمخرج والممثل والكمبرس، فما عليك، إلا أن تدخل غرفة فارغة وتواجه جداراً متجهماً، ثم توغل صارخا بشتائم من تحت الحزام، ثم تنهال على خديك بالصفعات وتضرب مطار الرأس العريض؟!.
متعبون متعبون حد نخاع العظم نحن، ونحتاج مسرحاً فارغاً إلا من جدار، ندخله صبح مساء؛ علنا نخفف لهيب غيظنا، ونتطهر من أدراننا التي تسرطنت وصارت أكبر من أحجامنا؛ فالشوارع لم تجد نفعاً.
سندخل المسرح منفردين، بعيداً عن المسرح العالمي (الفاتح) الذي انقلب الجميع فيه إلى متفرجين على غطرسة وعنجهية إسرائيل وجرائمها. سأدخله وأواجه الجدار: لست أعني القدس الجريحة ودربها وشهداءها، ولست أعني حقول البارود المبلول، ولست أعني النار والدمار، لست أعني الاشقاء والأخوان، ولست أعني ضمير العالم، لست أعني أحداً؛ صدقني لمرة واحدة يا أيها ا ل ج د ا ر.
الدستور