نسمع تعبيرات سياسية واعلامية ، تقول "الاردنيون من شتى الاصول والمنابت" ، وحين تتأمل المصطلح ، تعرف انه يذكر الناس بتقسيماتهم ، الجغرافية ، من حيث الاصل ، وكأن المطلوب هو ان نبقى شعبا موزعا على اساس من الكوتات ، بدلا من المواطنة التي تشمل الجميع.
حين تذهب الى جدة ، والى مكة المكرمة ، والمدينة المنورة ، تجد الاف العائلات السعودية ، بعضها في اصله من سمرقند ، وبعضها بخاري او مصري او شامي ، او يمني ، لكنك لا تسمع الا عن مواطن سعودي في نهاية المطاف ، في المخاطبات ، وغير ذلك ، حتى لو عرف الناس ، جذور بعضهم البعض ، وتذهب الى مجتمعات عربية اخرى فتجد نفس القصة ، وتذهب الى اعظم قوة في العالم فتجد امريكيين فقط ، حتى لو ان هناك تلونات انتخابية ، وكتل عربية ولاتينية ، في الانتخابات ، الا ان المخاطبة لهؤلاء تكون عبر امريكيتهم فقط.
عندنا ، القصة مختلفة ، فمنذ ان تسلم على اي شخص ، وفي الدقيقة الاولى ، تسأله "من وين الله محييك" او يسألك هو ذات السؤال ، وهكذا لا يستقر بال من امامك ، ولا بالك ، الا اذ دخلت المشاتل الوطنية ، وعرفت الرجل من اين ، فان لم تغرق في لعبة الجغرافيا والاصول ، من الضفة الشرقية او الغربية او شاميا او شركسيا او شيشانيا ، وغير ذلك ، تورطنا في لعبة الاتجاهات والجهوية ، وحين تسمع محدثك من عائلة معروفة قد تكون موجودة في جرش والكرك ، معا ، كاسم ، تحاول ان تحصر الاتجاه الجغرافي ، وهل هو "شمالات" ام من الجنوب ، وهي قصة لها بداية وليست لها نهاية.
لماذا اذا نصر على مبدأ القسمة على اثنين ، وكل شيء قابل لدينا للتعريف واعادة الانتاج ، ولماذا لا نعرف انفسنا كأردنيين ، فقط ، وقد عرفت زملاء حين يسافرون خارج الاردن ، وبمجرد ختم جواز السفر في المطار ، يتحول امام العرب والاجانب الى مواطن غير اردني ، ويعود بعضنا ، الى القاعدة الاساس ، بالنسبة له ، وهو وجه مؤسف من احد وجوه القصة ، حين يكون الاردن ، مجرد وسيلة نقل في هذه الحالة ، ننزل منها عند كل محطة ، ونخلعه كهوية ، كقميص.
قصة "المنابت والاصول" مفهومة من زاوية واحدة فقط ، هي عدم تنكر الانسان لتاريخ اهله وعائلته ، وعدم الخجل من اصله او منبته ، وقليل الاصل فقط ، هو من يمحو تاريخ عائلته ، لكننا نتحدث هنا عن جانب اخر ، يتعلق بطريقة تعريف الحكومات للمواطن ، وطريقة تعريفات المواطنين لبعضهم البعض ، وطريقة الحصول على المكاسب والخسائر ، عبر ذات قاعدة الاصول والمنابت في المقاعد الوزارية ، وفي منافع القطاع الخاص ، وحين تتحول القصة من تعريف معنوي ، الى قاعدة رياضية تصوغ شخصية المجتمع ، تصبح هنا المشكلة حقا ، فلا ريب اذا ان نسمع هتافات مسيئة في ملاعب كرة القدم ، ويجلب الاولاد من المدارس والجامعات ، امراض الفئوية والاقليمية والجهوية ، وكل تلك القصص التي لا يقبلها انسان محترم على نفسه ، وحين نسمع كيف يوظف الوزير ، وكيف يوظف صاحب الشركة الخاصة ، في مشهد ادين كلتا دلالاته.
كلنا اردنيون ، والاردن ليس محطة عابرة في حياتنا ، فقد صاغ وجودنا وربانا ، واعطانا جميعا فوق مانستحق ، فلا يصح ان نقدس الاردن ، لكننا نعامل شعبه على اساس "اصول ومنابت" وعلى اساس تقسيمات اقوى من القانون ، وعلى اساس تلوينات ، وقد اشدت قبل ايام بما قاله رئيس الوزراء الاسبق من قوله انه ليس هناك اردني ، واردني - فلسطيني ، اذ ان هناك شرق اردني وهناك غرب اردني ، وكلاهما اردني ، ورد علي من يقول.. ان الروابدة اعاد انتاج التقسيمات بطريقة ذكية ، وكان الاولى ان يقول اننا جميعا اردنيون ، وهي وجهه نظر.
لا بلد ، في العالم يصف شعبه بكونه شعبا من "شتى الاصول والمنابت" وكل الدول الكبيرة والصغيرة ، والغنية والفقيرة ، المستقرة والمأزومة تتحدث دوما عن شعب واحد ، وعلى هذا فنحن الاردنيون ، شعب الاردن ، بملاييننا التي قاربت الستة ملايين ، نسمة ، وقد آن الاوان ان نتخلص من ثقافة التقسيمات والكوتات ، في اللغة والقوانين والممارسات ، من اجل هذا البلد ، قبل اي احد اخر.
انا من انصار "المشتل الوطني" وليس "الاصول والمنابت".. مع احترامنا للجميع.
m.tair@addustour.com.jo