بينما يتجه العالم لمحاولة إنهاء الصراعات بين الدول، عبر القانون الدولي، وهيئة الأمم المتحدة، نجد استفزازا خطيرا من الرئيس الأمريكي ترامب الذي وقع على نقل سفارة بلاده إلى القدس، اعترافا منه بأن القدس عاصمة للكيان الإسرائيلي المحتل.
القدس جمعت القداسة للأديان السماوية، اليهودية والمسيحية والإسلام، وما يحصل من فرض قوات الاحتلال الصهيوني لواقع جديد بالقوة على أرض القدس لن يغير من حقيقة قداستها عند المسيحيين والمسلمين.
فبيتُ المقدس، حيث أسري بنبينا عليه الصلاة والسلام، وصلى بالأنبياء الكرام، عليهم الصلاة والسلام، وسورة الإسراء، (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله)، والقدس التي منها ابتدأ العروج إلى السماوات، بمعجزة إلهية فريدة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم. كل هذه الشواهد لا يمكن أن تغيب عن عقل أو قلب أي مسلم على وجه الأرض.
مسجد عمر بن الخطاب الذي بني في حارة النصارى، في الفناء الجنوبي لكنيسة القيامة، يشهد بما تعنيه القدس للمسلمين، فهو قائد الفتح، وصاحب العهدة العمرية، التي أمّن فيها المسيحيين على كنائسهم وممتلكاتهم، فالقوة لا تعني القهر للآخر، بل تعني التمكن من العيش المشترك، عن طريق إحقاق الحق، وإقامة العدل.
فإذا وصلنا إلى كنيسة القيامة، وما تمثله من قداسة عند المسيحيين، بحيث تعتبر من أقدس الكنائس إن لم تكن أقدسها على الإطلاق، وعرفنا أن المسلمين لم يتعرضوا لهذه الكنيسة ولا لغيرها بسوء، تعلمنا كيف يحترم المسلمون غيرهم من البشر، فلا يلغون وجودهم، ولا يخرجونهم من ديارهم، ولا يهينون مقدساتهم.
ما حفظناه في مدارسنا، أن القدس عاصمة فلسطين، وستظل كذلك، وإن الظلم أو البغي أو القوة، لا يمكن لها أن تقلب الحقائق مهما حاولت، فهذه العاصمة الغالية، قد روّاها أجدادنا بدمائهم، فتحا وعمارة، ولا يمكن لنا أن نقبل أن يقوم المحتل بتغيير هويتها، فهو إن فعل ذلك على الأرض، فلا تزال العقول ترفض هذه الجريمة، والقلوب تأباها.
وعلى الحفاظ على القدس يجتمع الأردنّ قيادة وحكومة وشعبا، فهي مسألة لا تخضع للجدل، فكلنا فداء لها، نحبها، وتهوى قلوبنا إليها. والوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية بالقدس لخير دليل على الشريان المتصل بين الأردن وفلسطين، والقدس وعمّان.
يا قدس يا حبيبتي، سيأتي اليوم الذي سنمسح فيه غبار الغطرسة عن وجهك المقدس البريء، لتعودي إلى بهائك دون قيود أو سدود أو حدود، ولن تعدم الأرحام أن تنجب صلاح الدين مرة أخرى.
ما دام على الأرض مسلم أو مسيحي يتنفس، ستظل القدس قضيتنا، فالمسلمون والمسيحيون في فلسطين والأردن، جسد واحد، لا يمكن أن تنفصل أجزاؤه، مهما حاول الاحتلال بقوته أن يفعل ذلك، ولا شك أن الحق سيعود لأصحابه يوما ما، وسيعم السلام تلك البقعة المقدسة، والأيام دول، وعسى ذلك أن يكون قريبا.