يا أمي يرحمك الله ويرحم كل الأمهات
د. حسن جمعة حماد
14-05-2018 04:37 PM
"يا باقي أنت الباقي"
رحلت أمي الغالية الأسبوع الماضي عن دنيانا الفانية ، وليس هناك اعظم ألما وأكبر حزنا وأشد مرارة من الفجيعة بفقد الأم ، وعزاؤنا أنها رحلت ومعها تقواها وحب الخيرلكل الناس ، مع الحرص على إكرام الضعفاء والمساكين وعلى صلة الارحام ، فطيلة حياتها لم تترك صلاة الفجر ولا صلاة الضحى وكل عمل هو لله ، فرحلت بهدوء يشع من وجهها الصفاء والسكينة والرضا ،وقبل غيابها البعيد بيومين كانت تنادي على اولادها الاطفال الذين اختارهم الله الي جواره ، ولم يجري عليهم القلم ، وكأنهم معها وفي إنتظارها لتسعد بهم .. اشعر بان جزءا غاليا من نفسي وحياتي قد مات ،- وقد كنت آمل ان يكون أمامها يومي وتشفق أن تكون ورائي..... .يا أمي أنا حزين لغيابك لأن رمضان المبارك على الأبواب الذي كنا نجتمع فيه لسنوات عديدة بحضورك للصلاة والعبادة .. ، ونصيحة من القلب لمن له أم أو أب ، فليتدارك مابقي من أيامهما ، لئلا يصبح يوما فلا يجدهما ، فهما بابان من أبواب الجنة كما جاء في الحديث الشريف ، فالمسارعة بالبر بهما فرصة للفوز بالخير في الدنيا والأخرة .. عندما فقدت والدي رحمه الله أدركت صدق الحكمة التي تقول ، أن الإنسان حين يفقد أباه ، مهما كان عمره، فانه يفقد السقف الذي يحميه من صواعق الأرض والسماء ، ويصبح بلا غطاء يحميه من غدر الزمان وأهله ، ويفقد بغيابه البعيد من كان يعطي حياته معنى وقيمة .. أما حين يفقد أمه ومهما كان قد بلغ به العمر، فانه يفقد الأرض التي كان يقف فوقها مطمئنا ، ومستشعرا الأمان والأطمئنان ، فيصبح معلقا في الهواء ، لا أرض تحته تشعره بالاستقرار والثبات، ولا مرفأ يؤوب اليه ، كلما أضطربت به أمواج الحياة ، ولقد كانت أمي يرحمها الله، هي المرفأ الآمن الذي يرجع اليه الأبناء والأهل الاقربين ، ويلتقي عندها الاعزاء الذين تفرقت بهم سبل الحياة ، ويعصم وجودها عقد الاخوة والاخوات ، والأهل الاقربين من الانفراط ، فأي مرفأ آمن سوف نرجع إليه الأن ، والأمل دائما في رحمة الله ، .. كانت والدتي رحمها الله محبة للحياة وملهمة للاحفاد ، وحريصة على الأحتفاء بهم ، مع إيثار عجيب ، وكانت تكره العجز واليأس وكثيرا ماتقول " ياقلب لاتحوش عليك الهموم تغثيك ،مادام قدمك تشيلك والنظر يقديك " .. نحمدالله يا أمي ، على أنه مازال في بلدنا للعزاء والمواساة تقاليد أصيلة ، لم تجفف منابعها رياح الثقافات ، التي تهب علينا من الشرق والغرب ، ولسوف تبقى هذه القيم عندنا مابقيت الحياة ،لانها مرتبطة بالباعث الديني ، الذي يعد أصحابة بالأجر العظيم ، عن كل خطوة يخطوها الساعي ، في مواساة الاخرين والتخفيف من احزانهم ، فاللهم اثب أهل الفضل ، من الأخوة والأخوات والأهل والأصدقاء، خير الثواب وأجزل لهم من عطائك وكرمك ما لايدانيه شىء ، من عطاء الدنيا كلها ، فلقد خففوا عنا الكثير من الاحزان ، بوقفتهم النبيلة ومشاركتهم الكريمة لنا طيلة أيام العزاء ..يا أمي الغالية سيظل رحيلك ، كما كان رحيل والدي البعيد جمر يتوقد في قلوبنا مع الحرص على رضاكم، حتى نلقاكم بإذن الله ورحمته وكرمه ، في جنات ونهر عند مليك مقتدر .. فاللهم أرحمها واحسن مثوبتها بما صبرت وضحت وأغمر بفضلك وكرمك على من واسانا ..وعفوا لهذا الحديث الحزين ..