بعيداً عن الوعيد الاحترازي من قبل السَّادة التجَّار برفع أسعار اللحوم المستوردة في رمضان المبارك, رأت العرب قديماً أن كثرةَ أكل اللحم، أو قلة أكله، على حدٍّ سواء، تقسِّي القلب، وتصلِّب النفس، وتحجر المشاعر وتيبسها. ولهذا سمّوا تلك الشهوة للحم (بالعيمة).
واستنادا لهذه الخبرة العربية المجيدة، أطالب بضرورة ابتكار تسمية تليق بظاهرة العربات المتخمة المتروكة قرب بوابات المحاسبة (الكاشير) في المولات الكبرى.
الأسواق المركزية كانت من الذكاء والدهاء، بأن جعلوا عرباتهم كبيرة، تصلحُ لنقل عفش البيوت في الرحيل والنزيل. وهذا ما يخجلنا ويجعلنا نلوم أنفسنا ونشعر بالتقزم حينما نضعُ في العربة سلعة أو سلعتين، فنجنح لا إرادياً لمدِّ أيادينا إلى ما هبَّ ودبَّ من سلع لا نحتاجها؛ كي نبددَّ فراغ العربة.
وكتكتيك ذكي وطريف يعمد بعض المستهلكين، إلى حشو أبنائهم في العربة، ليغطوا فداحة الفراغ الكبير، وهم يتنقلون بين الأقسام بحثاً عن سلع مكتوبة بقائمة معدة سلفاً بيدهم.
منذ فترة تلفتني ظاهرة بعض العربات المتخمة المتروكة قرب عتبات المحاسبة. وحينما استفسرت من شاب عامل؛ ابتسم بمرارة قائلاً، بأنه ونهاية كل يوم، يكون علينا أن نعيد محتويات عشرات من العربات إلى أماكنها، ونجد بعضها تالفاً كالجامبري أو السمك، لأن أناساً جاؤوا يبددون وقتهم بشراء وهمي. فضحكت في نفسي هامساً: بل قل هذه من ضرائب ثقافة استهلاكية زرعتها فينا (المولات).
فكيف لمن قضى ساعة أو ساعتين وهو يحشو عربته بما لذَّ وطاب، ويدفعها بين الرفوف أن يتركها دون أن يرف له جفن؟!. وكيف لمن وقف أمام ثلاجات اللحوم، وانتقى خروفاً بلدياً كاملاً مع حرصه على وجود (اللية)، وطلب من الجزار تقطيعه قطعاً (خرج منسف)، أن يترك عربته ويمضي؟!. أو كيف لمن طلب رطلاً من الجمبري (الجامبو) طمعاً بفسفرة الجسم، كيف له أن يترك عربته المحشوة ويمضي؟!.
لولا حزني على عمال يتوجب عليهم أن يعيدوا محتويات العربات إلى أماكنها، لولا هذا؛ لشمت ضاحكا بالمولات وعقليتها، فهي التي زرعت فينا شهوة الشراء، وقرنتها بالمتعة، والتمتع، وتضييع الوقت، وهي التي ما زالت تتآمر بكل عروضها واستعراضاتها وإعلاناتها على جيب المستهلك، حتى صنعت منه كائنا استهلاكياً، لا همَّ له إلا أن يملأ عربة، حتى ولو تركها منبوذة قرب بوابة الكاشير: إنها عربات تبريد وإطفاء شهوة الشراء.
الدستور