تكاثرت الدعوات الصادقة, التي تتحدث عن ضرورة الانفتاح الرسمي الاردني على حركة "حماس", ليس فقط باعتبارها امرا واقعا, بل ايضا باعتبارها لاعبا اساسيا على الساحة الفلسطينية وباتت تتحكم بمسار العمل الوطني الفلسطيني واتجاهاته. وأكثر من ذلك, فحماس اليوم لاعب اقليمي متعدد الادوار, ومن يتجاهل هذه الحقائق, كمن يضع رأسه في الرمال.
هناك مصلحة اردنية وفلسطينية في تحقيق تقارب وانفتاح بين الدولة الاردنية وحركة حماس. ومن واجب الطرفين السعي لتحقيق هذا الانفتاح ووضع العلاقة الثنائية على سكتها الصحيحة, بعد تقييم التجربة السابقة والحالية وما فيهما من مثالب ومآخذ.
لا يكفي ان ترسل "حماس" رسائل ايجابية عن بعد تعبر فيها عن رغبتها في الانفتاح والحوار مع الاردن. "حماس" مطالبة بتحديد موقف واضح لا لبس فيه من امرين مهمين لا يحتملان التأويل او الاجتهاد, لتدور العجلة.
الامر الاول هو التزام "حماس" القاطع بكل المعايير والأسس والقواعد الامنية لسلوكها وعملها على الساحة الاردنية كما تحددها الدولة الاردنية, وان لا تلجأ الى اي سلوك او نشاط من اي نوع وتحت اي مسمى من خلف ظهر الدولة الاردنية او من دون التفاهم معها. بمعنى آخر, ان تحترم "حماس" السيادة الوطنية الاردنية احتراما كاملا لا لبس فيه. فالسيادة الوطنية لا تتجزأ.
الامر الثاني, هو ان توقف "حماس" تدخلاتها المباشرة وغير المباشرة في عمل ونشاط حركة الاخوان المسلمين في الاردن وحزب جبهة العمل الاسلامي, وعلى مختلف الصعد, التنظيمية والمالية والاعلامية وغيرها, وهي تدخلات باتت معروفة ومكشوفة تشكو منها فاعليات اساسية من داخل صفوف الحركة الاسلامية نفسها.
هذا هو الطريق القويم لبناء جسور الثقة والتفاهم بين الجانبين, وبغير ذلك نكون امام حالة "إذعان" لا يمكن ولا يصح القبول بها, تحت اي ذريعة او عنوان.
بين الاردن و"حماس" أزمة ثقة متراكمة, سببها خروقات متكررة من حماس للقاعدتين المشار إليهما. ويمكن لأزمة الثقة هذه ان تكون من مخلفات الماضي. اذا ما قررت حماس ذلك, والتزمت في السر وفي العلن بقواعد واضحة لعلاقة سياسية تقوم على الاحترام المتبادل والتساند المشترك لما فيه خير ومصلحة الشعبين الشقيقين الاردني والفلسطيني.
ليس سهلا على "حماس" ان تعتمد مثل هذا التوجه العقلاني الايجابي. فهناك من سيشدها ويعرقل مثل هذا التوجه عندها, ومن هؤلاء من هم من داخل الحركة الاسلامية في الاردن، الذين ما زالوا يصرون على الخلط بين المهمات والادوار على الساحتين الاردنية والفلسطينية.
حركة "حماس" ليست في احسن احوالها, كما يظن البعض. ومن مصلحتها السياسية والخاصة, ان تغذ الخطى نحو الاردن وهي تعرف جيدا جدا الطريق الى ذلك. ولا اظن ان الاردن يطلب ثمنا سياسيا كعربون مسبق لعلاقة لا يمكن ان تتطور الا بحجم التلاقي السياسي وهذا امر طبيعي. لكن الحدود الدنيا من التواصل والحوار والانفتاح والتنسيق ما امكن بين الطرفين امر ضروري بات وملحا.
وكبادرة حسن نوايا من الدولة الاردنية, اقترح ان يستقبل الاردن وفدا رسميا من المجلس التشريعي الفلسطيني بكل مكوناته وكتله البرلمانية برئاسة نائب رئيس المجلس الدكتور أحمد بحر القيادي في "حماس".
ويمكن لمجلس النواب ان يوجه مثل هذه الدعوة ويجري استقبال الوفد من اعلى المستويات في الدولة الاردنية. لن نخسر شيئا بمثل هذه البادرة, بل نكسب احترام الجميع. ونحرك ساكنا.