هذه قصة وقعت أثناء إقامتي في "دمشق" أسردها كما حصلت دون زيادة أو نقصان، وأنا على صلة وثيقة بأصحابها، لكنن استعملت أسماء مستعارة في القصة.
خالد شاب يعيش في "شارع الأمين ""بحارة اليهود"، وهو ابن الحارة التي يسكنها السوريون السنة والشيعة، واليهود، والمسيحيون الأرمن، والدروز والعلويون، بالإضافة إلى اللاجئين الفلسطينيين، هي صورة مصغرة عن التنوع الموجود في سوريا الحبيبة.
جاء رامي من القامشلي وهي محافظة بعيدة عن دمشق، بحيث إن عمّان أكثر قربا إلى العاصة السورية منها، وسكن في حارة اليهود، ليذهب إلى كلية الهندسة صباحا، ويندمج مع أهل الحارة مساء.
شاهد امرأة تسير في شوارع الحارة الضيقة، وبصحبتها طفل صغير، وعندما مرت بجانبه، نظرت إليه بلحظها، وأكملت طريقها. تعلق قلبه بهذه المرأة تعلقا عجيبا، فصارت لا تغيب عن عينيه، وكلما تذكر لحظها كتب شعرا ونثرا، وتحول طالب الهندسة إلى شاعر وأديب، بسبب نار الحب الذي يحرق بلهيبه أوراق الدفاتر بين يديه.
أسرّ رامي إلى صديقه خالد بوصفه ابن الحارة البار، ليخبره من تكون هذه المرأة، ومن أي عائلة؟ ليقوم بخطبتها. فغرضه شريف، وحبه طاهر عفيف. وافق خالد على تقديم الخدمة قائلا: لقد أحسنت بالاستعانة بي فأنا خبير، أنا لك مستشار، نعم أنا المستشار.
انتظرا مرور المرأة ذات النظرات الساحرة عدة أيام، وها هي تمرّ بجانبهما، فيقول خالد: هذه هدى أخت علي القاسم، وهم من اللاجئين الفلسطينيين. لكنها مطلقة وعندها طفل. سرّ رامي بالخبر، وقال سأرعاها وطفلها، سأتزوجها. خذ موعدا مع أهلها أيها المستشار. أجاب خالد: على بركة الله، هي تسكن عند أخيها؛ لأنه والديها انتقلا إلى رحمة الله. وسآخذ معه موعدا في المساء.
انطلق رامي والأرض لا تكاد تسعه من شدة الفرح والسرور، وأخيرا سيحقق حلمه، ويتزوج من المرأة التي أحبها وتعلق بحبال هواها.
وفي المساء، انطلق الصديقان إلى بيت علي القاسم ليتم جمع الشمل، وبعد السلام، قال رامي: يا سيد علي أود أن أطلب يد أختكم المصون هدى على سنة الله ورسوله وأنا جاهز لكل ما تطلبونه مني.
علي: وهل تعرفها؟ رامي: رأيتها مرات بالسوق. علي: وهل تعرف أنها متزوجة؟ رامي: نعم اعلم ذلك، وقد أعجبني جمالها وكمالها، وكتبت فيها قصائد عديدة، وعرض عليه القصيدة تلو الأخرى؛ ليبين صدق حبه وتعلقه. وأضاف خاتما: وأعلم أن عندها طفلا صغيرا.
علي: طفل صغير، كلا هدى عندها بنت. رامي: لكنني رأيتها مع صبي صغير.
علي: هل أنت متأكد أنها هدى؟ رامي: نعم وهذا المستشار خير شاهد.
هزّ المستشار برأسه مؤكدا كلام صديقه رامي، مع ابتسامة الواثق من معلوماته.
قال علي: ومتى رأيت هدى؟ رامي: اليوم ظهرا. علي: مستحيل هي من أسبوع عند خالي في ريف دمشق. لكن صف لي المرأة التي رأيت.
وبدأ رامي يصف المرأة بدقة، فقال علي: لحظة يا رامي، نعم ..نعم، هذه سلمى، زوجة أخي حسين. وهي التي تسير مع طفلها، وهذه أوصافها.
أصاب الذهول كلا من رامي وخالد، ونظرا إلى بعضهما نظرة مدهوش، فقال علي: كيف يحصل هذا، تطلب مني زوجة أخي؟
فقال رامي: يحصل مثل هذا يا سيدي لأنّ المستشار حمار.