عصفوران هاربان من بنادق الصيادين، كانا قد التقيا فوق فنن من أفنان إيكة تغتسل بدموع السماء بعدما عرتها رياح تشرين.
تأملا فيما فطر الباري من سماء ضاق بها فكر الإنسان منذ أن وسوست الحيرة في صدره من أسرارها.
قال العصفور القادم من قمة فضاء أحدب: ألا ليت السماء ضيقة مثل العش!
فسأله العصفور القادم من قاع فضاء أحدب: لماذا؟
فأجابه : لكي أبق أسير أحلام طفولتي البريئة!
- ولماذا لم تبق أسير أحلام طفولتك البريئة؟!
- لأن العمر كسر أقفال السجون!
- حسنا يا صاحبي، إذا كنت تريد البقاء أسيرا لأحلام طفولتك البريئة، وكان العمر قد حطم الأغلال وفكك القيود، لماذا هربت من الأسر؟!
- يا صديقي، أنا لم أهرب، إنما الشك إجتاح أحلامي البريئة ، عبر بوابات الأسر، فإغتال صفاء مهجتي ونقاء جناني ببطش الحيرة وعنف الظن.
- هكذا إذن، وقعت تحت نير الحيرة وعبودية الظن!
- نعم يا رفيقي.
- والآن تحاول أمانيك أن ترفرف بسماء ضيقة مثل العش!
- نعم يا سميري.
- لكن الشك قد كسر أجنحتها!
- نعم يا نديمي.
- حسنا، وإلى أين يسير بك بطش الحيرة وعنف الظن؟
- لربما إلى ما قبل البدء!
- وكيف سارا بك إلى هناك؟
- سارا بي بخط مستقيم لا ينحني قيد أنملة.
- وهل وصلا بك إلى ما قبل البدء؟
- للأسف الشديد ، لا.
- ولماذا؟
- لأن السير بخط مستقيم لا ينحني في فضاء افكارنا على ما يبدو مثل السير بخط منحن لا يستقيم في ذاك الفضاء الأحدب!
فجأة لمح أحدهما صيادا يجول ويصول هنا وهناك ببندقيته، فصاح قائلا للآخر: أهرب، أهرب، ثمة صياد هنا.
وهربا معا بإتجاه يستقيم تارة، وينحني طورا في كبد السماء.