ما زال بعض الأردنيين يستحضرون تاريخهم الشفوي بشكلٍ مشحون من الصراعات والتناقضات المليئة بمفاهيم البغضاء.
فسير الغزوات ما زالت دارجة في عقول كثير من أبنائنا خاصة ممن يجدون القبيلة مساحة لإشباع رغبتهم بالبحث عن غريزة القوة التي ما توفر لها القبيلة الغطاء.
وما نعانيه من ظواهر سلبية يريد البعض اسقاطها على القبيلة هي نتيجة لتنشئة خاطئة واسترداد متخيل لسير وتاريخ في أغلب جوانبه لم يكن!
فصحيح أن بعض تاريخنا لم يكتب، وصحيح أن بعض تاريخنا الاجتماعي المكتوب شابه كثير من اللغظ، وصحيح أن كثيرين حاولوا تشويه مفهوم القبيلة في الأردن وسحبه لجهة أنها قائمة على الغزو والنهب.
ولكن الأصح أن قبائلنا الأردني لم تكن تحمل في مضامينها وأطرها وعاداتها وتقاليدها سوى خلاصة من الألفة والمودة والبحث عن الرزق، وحتى في صراعاتها القديمة لم تكن تسعى القبائل إلى الحرب أو الغزوكغاية لوحدها.
بل إن الأصح هو أن غياب السلطة القائمة آنذاك هو الذي صار بصيرورة الأحداث لتكون العناوين هي الغزوات على حساب كثير من التاريخ المليء بالمُثل والقيم الجميلة التي تعتبر بحق خلاصة لأخلاق العرب.
ما يجري حالياً من أحداث أو أمور ترشح هو نتيجة لسرديات شفوية يرويها كثيرون في بيوتهم للأبناء فيعززون بنفوسهم مفاهيم خاطئة قائمة على أن طريق الحق يأخذ بقوة القبيلة، ونتيجة لهذه المرويات الشفوية المتوارثة وصل بنا الحال إلى أن نحمل عبئاً من التاريخ الشفوي المشحون.
وهذا الأمر من غير من شكل القبيلة التي كانت وأخذها إلى شكل متخيل قائم على فرضية أن الإحساس بالذات ينبع من القبيلة كقوة لها حصصها ولها امتيازاتها التي تعلو على أي قانون.
لذا فاليوم، هناك حاجة لأن نقرأ في تاريخنا الشفوي الذي صمت عنه الأكاديمي وتجاوزه المشتغل بالتاريخ حتى أوصلنا إلى متخيل في ذهنية النشء أن هناك قبيلة وحرب وغزو وماضٍ مجيد !
هذا الأمر دفع بالبعض إلى إعلاء شأن الماضي المتخيل على الماضي الحقيقي، وأوجد طريقاً لدى البعض ليعلي من شأن هذا الماضي على حساب الحاضر والقانون.
فاليوم نحن أحوج ما نكون لفلترة ماضينا الشفوي، ذلك الماضي الذي نرويه للأبناء وهم أطفالاً فيشبون يرون بالآخر عدة لأجدادهم .. ويريدون السير بهذا التناقض.. !