العراق بين إرادتين .. وواحدة ستنقذه
عزت الشابندر
12-05-2018 07:15 PM
ساعات تفصلنا عن إعلان نتائج الانتخابات العراقية الرابعة، وبعدها تبدأ مرحلة تشكيل التحالفات من أجل تسمية رئيس الحكومة القادمة. ولأن العراق مُبتلى منذ زمن تزامنت انتخاباته مع انسحاب الرئيس الأمريكي من الاتفاق النووي الإيراني، ليضيف ذلك تحديا جديدا للمسيرة السياسية. ولتكون العراق وانتخاباتها أحد الأدوات المهمة في إدارة الصراع الأمريكي الإيراني. حيث أن واشنطن تهدف لاستخدام العراق للتضييق على طهران، في حين تسعى الأخيرة لتوظيف دورها في العراق من أجل تحسين تعايشها على تداعيات القرار الأمريكي.
إن انسحاب أمريكا "ترامب" من الاتفاق النووي الإيراني رفع من قيمة وأهمية العراق في المنطقة والعالم، لا سيما في وجود تصورات عن اشتباك عسكري مع إيران سواء كان مباشرا أو غير مباشر. وبالنظر إلى مجريات الأمور أعتقد أن الرئيس الأمريكي لم يعطي وزنا للموقف الأوروبي، في حين أن العراق اليوم هي محط اهتمام إدارته ومؤسساتها، لوجود قناعة أمريكية بأن هذا البلد هو أهم ساحة معركة في الصراع مع إيران.
نحن كعراقيين ندرك أكثر من غيرنا توجهات هذا الصراع وكيف يمكن أن يتطور ويدار، وسأقدم تحليلي وتوقعاتي لما سيحصل ضمن السياق التالي، ولن أجامل أي طرف في طرحي للفكرة والمشاريع التي تحيط بالعراق. الكل يعلم أن المشهد الانتخابي العراقي بين مشروعين وبين إرادتين، إرادة الشعب العراقي التي ستتمثل في فوز مشروع الأغلبية السياسية، وتحديد رئيس الوزراء ضمن آليات وسياقات وطنية، تحدد مستقبل العراق الباحث عن البناء والتنمية، والتخلص من أثار الحروب والنزاعات. مستقبل طبيعي يلبي طموحات الشعب العراقي وتطلعاته وآماله، للوصول إلى دولة قوية لها ثقلها السياسي والاقتصادي في المنطقة.
أما الإرادة غير الوطنية والخارجية ستتمثل في فوز ما يسمى بمشروع التوافقية الديمقراطية، هذا الاسم المخترع عراقيا، وهو في الحقيقة "مشروع توافق المكونات على السلطة والنفوذ"، عندها لا نستطيع أن ندفع بأنفسنا إلى مساحة الحياد النسبي، وسنكون أمام تحكم الإرادة الإقليمية في تسمية رئيس الوزراء ومستقبل العراق وموقفه مما يدور في المنطقة، أي أننا سنفقد العراق لمدة أربع سنوات جديدة، ونعود للمربع الأول والذي لم نجني منه شيئا إيجابيا.
وبناء على ما سبق نتوقع أن نرى ونستشعر صراعا محتدما بين طهران وواشنطن على رسم معالم وملامح المرحلة السياسية القادمة التي تتمثل حكما برئيس الوزراء العراقي الجديد. لذلك أدعو كل الساسة الذين تنافسوا وفازوا في الانتخابات العراقية أن يضعوا نصب أعينهم سؤال واحد وهو أين سيذهب العراق ومع أي محور سيصطف؟ وهل من مصلحتنا أن نكون مع طرف ضد آخر أم نعطي الأولوية لبناء العراق واستقلالية قراره.
إذا أردنا أن يكون العرق محرقة من جديد، دعونا نسمح لمشروع التوافق والمكونات بأن يكوم هو الحاكم، لأن هذا المشروع بالأصل أمريكي- إيراني، وعليه فان إيران ستتحرك بقوة نحو حلفائها في العراق والولايات المتحدة ستعمل على ذلك، لنكون أمام مشروع احتراب بدون توافق وفقا لقاعدة توافق المكونات. وانطلاقا من البحث عن مستقبل بلدنا يجب أن تُترجم إرادة الشعب العراقي متمثلة بقواه الوطنية من خلال مشروع وطني جامع، يجنبنا التوافق والاحتراب ويخلصنا من حقبة مشؤومة، ولا سبيل لذلك إلا من خلال مشروع الأغلبية السياسية، الذي لم يُملى من الشرق أو من الغرب على الكتل والأطراف السياسية المؤمنة به.
وهناك مبرر آخر لا يقل أهمية عن المبررات التي أدرجتها للتخلص من مشروع التوافق ومنهج المحاصصة، يتجسد في أن مستقبل العراق مرتبط بتنمية الاقتصاد وتحقيق معدلات نمو إيجابية، ولن يتم ذلك بوجود حكومة يفرزها مشروع التوافق، لأن ذلك يعني عودة المحاصصة، وتقاسم السلطة وسرقة المال العام، وبقاء الفاسدين الذين هم نتاج هذا المشروع. أما إذا كان النظام السياسي الذي سيحكم المرحلة المقبلة، نظام أغلبية تحكم وتقرر ويقابلها معارضة تحاسب وتراقب وفقا للمصلحة الوطنية، اعتقد أن المجال سيكون متاحا أمام حكومة اقتصاد لديها مشروع ورؤية واضحة للبناء والتعمير والتنمية.
إن النظم الديمقراطية الحقيقية حول العالم ترتكز على محورين (الحكم والمعارضة) ارتكازا إلى أن المصلحة الوطنية هي من تحكم قواعد اللعبة. ولكن ثقافة الديمقراطية طارئه على الطبقة السياسية في العراق، ولم تستطيع تقبل المعارضة كجناح يقوم بدوره الحقيقي. إضف إلى ذلك أن الإرادة الأمريكية الإيرانية التي توافقت على إدارة العراق في 2003، لا تسمح بديمقراطية حقيقية تحكم العراق بل يجب على الأغلبية الحاكمة والأقلية أن تجلسا لطاولة المفاوضات وتقاسم الكعكة.
من وجهة نظري أن مرحلة التحالفات ما بعد إعلان نتائج الانتخابات هي المرحلة التي ستعكس المشهد الوطني بدقة. لان الانتخابات هي إرادة شعب يختلف في مستويات الوعي ولديه تنوع في الأهداف والغايات من عملية الانتخاب. ولكن عندما يأتي دور الكتل وهي الأوعى والانضج سياسيا سيختلف القرار.
أكاد أجزم أن كل وطني وحريص على هذا البلد وعلى مستقبله لا يفكر بأن يكون العراق جزء من الصراع الذي سيحتدم بين واشنطن وطهران، والحريص على العراق يجب أن ينأى به عن الصراع وأثاره. ولا أقول إن هذا القرار سيكون سهلا. على العكس ستكون القوى الوطنية التي تطمح لاستقلال القرار العراقي في مواجهة القوة الأمريكية والإيرانية وأدواتهما، لتقاسم أرض العراق وشعبه وثرواته.
أخيرا، اليوم أرى أن الولايات المتحدة وحلفائها هم الأنشط على الأرض العراقية، وهناك جهود حقيقية لكسب الموقف بعد الانتخابات. أما الطرف الإيراني فما زالت مطالبه أو توجهاته غير واضحة. ولكن حدة الصراع السياسي ستكون في مرحلة التحالفات من أجل تسمية رئيس الوزراء. ولا يمكن أن ننكر أن هناك حراكا على منصب رئيس مجلس النواب، المستهدف هذه المرة من المكون الكردي، في حين ينزع المكون السني إلى منصب رئاسة الجمهورية. وهنا لا بد من القول إن مستقبل المؤسسات العراقية السياسية سيكون مختلفا، حيث سينتقل العراق من نظام برلماني إلى رئاسي.
أما رسالتي لكل وطني وغيور هي أننا أمام فرصة تاريخية نسطر من خلالها تحولا جديدا في الساحة العراقية ستنعكس أثاره الإيجابية على بلدنا وعلى دورنا في المنطقة. دعونا نتمسك بهذه الفرصة ونبني عليها.